15/12/2019

الفيلم الوثائقي "الغياب" لفاطمة الرياحي يتوّج بجائزة أفضل فيلم لحقوق الإنسان في مهرجان كرامة بالأردن

توّج الفيلم الوثائقي الطويل "الغياب" للمخرجة التونسية فاطمة الرياحي بجائزة أفضل فيلم لحقوق الإنسان (جائزة أنهار)" خلال فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان المنتظمة بالعاصمة الأردنية عمّان من 5 إلى 12 ديسمبر 2019.

وسبق لفيلم "الغياب" أن تحصّل على التانيت البرونزي في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة خلال فعاليات أيام قرطاج السينمائية 2019. ويعدّ هذا الفيلم الطويل الأول للمخرجة الشابة فاطمة الرياحي، وهو من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية سنة 2018.

تدور أحداث الفيلم في 90 دقيقة، بأحد أرياف ولاية سيدي بوزيد الواقعة في الوسط الغربي للبلاد التونسية، حيث تصور المخرجة قصة رجل متشدد ديني يدعى "توفيق" وبناته الثلاثة (يمينة وخديجة وإيمان) بعد أن تخلت عنهم زوجته البوسنية "مارسيدا".

وسبق لهذا الرجل أن سجن لمدة 6 سنوات في فترة حكم نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، بدعوى انضمامه إلى تنظيم مسلح في البوسنة في حربها مع صربيا في تسعينات القرن الماضي. وفور خروجه يجد نفسه مسؤولا عن تربية بناته في ظروف قاسية تتداخل فيها صراعاته مع اخوته وغياب زوجته والشعور بالظلم من أجهزة أمن الدولة سابقا التي ظلت تؤجج فيه دافع الانتقام في كل مرة.

لمدة سنتين بين شتاء 2016 وشتاء 2018، تتبعت عدسة الكاميرا نمط عيش هذه الأسرة التي حصلت على غرفة في منزل والد توفيق، وهو شيخ مناضل دستوري معروف في المنطقة مازال يحتفظ بانخراط في الحزب يعود إلى عشرات السنين كان قد ورثه عن والده. لا تبدو على هذا الشيخ أي صلة بالتشدد الديني، فهو يروي أن ابنه توفيق لم يكن متدينا وكان يستعد للزواج من إحدى بنات قريته، قبل أن يقرر سنة 1991 الذهاب إلى إيطاليا للعمل هناك، ومن ثمة توجه للقتال في صفوف البوسنيين في حربهم مع صربيا، ثم تلقيه رسالة من ابنه ليخبره استقراره في اللوكسمبورغ وزواجه من امرأة بوسنية، دون سرد أسباب إقدامه على هذه الخطوة التي فاجأته.

في فيلم "الغياب" يبدو غياب الأم قاسيا على البنات اللاتي شاءت الأقدار أن يحرمن من الأب في الطفولة وعندما حضر الأب فارقتهن الأم. لكن رغم ذلك يتعلقن بالصبر والصمود والحلم، فظهرن مصرات على المثابرة في الدراسة لتغيير واقعهن المرّ، رغم أن إحداهن غادرت مكرهة مقاعد الدراسة للاعتناء بجدتها وأختيها ووالدها : فهن يدرسن ويقمن بالواجبات المنزلية من تنظيف وطبخ ويعملن في الحقول لجمع الزيتون والطماطم ولم يبلغن بعد سن الثامنة عشرة.

تكشف عدسات كاميرا "الغياب" أن توفيق يتأرجح بين هاجسين متناقضين: فهو إلى اليوم يكن الحب لزوجته البوسنية التي اختفت من حياته وبناته ولا يعلمون عنها شئيا، لكنه لا يقبل أن يعيدها إلى عش الزوجية (لو ظهرت من جديد) دون أن يكشف عن أسباب هذا القرار. وهو أيضا يكن العداء لجلاديه ولكنه في المقابل يعبر عن استعداده للعفو عنهم شرط تقديم الاعتذار له. كما يتأرجح بين التشدد الديني والقبول بالاختلاف، فهو يحرص على تعليم بناته وتفوقهم، ويستقدم عامل بناء ذا ميولات يسارية لبناء منزله الجديد، ورغم تشدده، فإنه أيضا ملتزم بمؤسسات الدولة منها التربوية حيث تتلقى بناته تعليما عصريا.

لقد أحسنت المخرجة صياغة فيلمها بذكاء، رغم حساسية هذا الموضوع المطروح في الوقت الراهن الذي تعرف فيه تونس تهديدات إرهابية، والصورة التي يحملها بعض التونسيين عن المتشددين دينيا، فاختتمت فيلمها بالنشيد الوطني الذي رددته الفتاتان في تحية العلم الصباحية بالمؤسسة التربوية، فضلا عن مشهد يبدو فيه بطل العمل "توفيق" ينظر بعيدا في الأفق تطلعا إلى غد أفضل.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة