بين الجسرين المتحرك والثابت بنزرت بين المعاناة والأمل
وكالة تونس إفريقيا للانباء
"في ما مضى كان الجسر المتحرك نعمة، غير أنه أصبح اليوم نقمة"، يقول بشير الموظف الذي يتنقل يوميا عبر الجسر المتحرك ببنزرت من وإلى مكان عمله، متحدثا عن معاناته اليومية بسبب الاكتظاظ المروري في أوقات الذروة وعند رفع الجسر لعبور السفن.
يتابع بشير، في حديثه لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، "لقد أضحى الجسر هاجسا يوميا بالنسبة لي، فنظام حياتي معدل على وضعيته، هروبا من توقيت الاكتظاظ المروري الخانق .. لكن لا مفر من ذلك حتى خارج أوقات الذروة"، معبرا عن الأمل في أن يقطع مع هذه المعاناة بالانتهاء من تشييد الجسر الجديد "الثابت".
الجسر المتحرك الذي مثل لعدة سنوات "شريان حياة" لمدينة بنزرت الواقعة أقصى شمال تونس، وقع تشييده بين سنتي 1978 و1980، وافتتح في جوان 1980، وهو يربط بين ضفتي القنال الذي يصل بحيرة بنزرت بالبحر الابيض المتوسط ويشكل ممرا أساسيا لحركة السيارات والراجلين، من جهة، ولسفن الصيد والتجارة، من أجهة أخرى.
فصول المعاناة اليومية التي يعيشها أهالي بنزرت وزوارها أثناء الدخول أو الخروج من المدينة عند رفع الجسر المتحرك لم تخل من قصص حزينة وكذلك "طريفة"، مثل قصة الأم التي وضعت مولودتها "على الجسر" بعد أن حال الضغط المروري دون وصولها إلى المستشفى.
هذه الأم، أصيلة مدينة العالية التي تبعد حوالي 25 كلم عن مدينة بنزرت، أنجبت منذ ثلاث سنوات (السادس من جانفي 2022) ابنتها "غالية" على جسر بنزرت المتحرك، الذي "احتضن" المولودة الجديدة بعد أن كُتبت لها "الحياة" ولأمها "النجاة" بعيدا عن مساعدة الأطباء ورعايتهم.
الجسر الجديد .. الأمل
يأمل أهالي بنزرت وزوارها وأصحاب الأعمال والتجارة أن يضع مشروع جسر بنزرت "الثابت"، الذي تم الشروع في إنجازه، حدا لهذه المعاناة، إذ يعد مشروعا ضخما وضروريا في منطقة أنهكتها العزلة وظلت رهينة "الفتح الاستثنائي للجسر المتحرك".
في هذا الصدد، يقول الرئيس المدير العام لفضاء الأنشطة الإقتصادية، محمد بديع القليبي، لـوكالة تونس إفريقيا للانباء، يكبدنا الاختناق المروري على الجسر المتحرك كلفة "غير مباشرة"، تبرز من خلال "الإجهاد المستمر للموظف قبل وصوله للعمل، مما ينعكس على الآداء المهني وبالتالي انخفاض الانتاجية".
وتابع القليبي قوله إن "أعظم خسارة تتسبب فيها وضعية الجسر هي الوقت، علاوة على ما يتبعه من كلفة اقتصادية في المحروقات وتأخيرات الشحن، نتيجة عدم تمكن المستثمر من إيصال البضائع في الموعد المحدد".
وفي المقابل، توقع المكلف بتسيير شؤون المندوبية الجهوية للسياحة ببنزرت، سفيان صلحين، في تصريحه لــوكالة تونس إفريقيا للانباء، " تطور عدد السياح الوافدين على بنزرت إلى الضعف، عند إحداث الجسر الثابت"، مشيرا إلى أن "بنزرت تعد الوجهة الأفضل للسياحة الداخلية".
ويسرد المسؤول واقعة تتعلق بتأثير وضعية الجسر المتحرك على السياحة في الجهة، ويقول إن أجانب مكلفين بإنجاز أشغال في بنزرت قرروا تغيير إقامتهم من أحد النزل بالمدينة إلى نزل بقمرت بالضاحية الشمالية للعاصمة، وخيروا أن يقضوا مدة التنقل من مقر الإقامة إلى مكان العمل على الطريق عوضا عن الانتظار على جانبي الجسر تحت أشعة الشمس.
وأشار "صلحين" أيضا إلى أن بعض وكلات الأسفار تلغي رحلاتها إلى بنزرت لكون عامل الوقت مهم في نظام عملهم، "فالرحلات التي تبرمج بنصف يوم من شأنها أن تتجاوز ذلك الوقت لتستغرق يوما كاملا"، وفق تعبيره.
كما ذكر أن عدد الوافدين على شواطئ غار الملح (تبعد 36 كلم عن مدينة بنزرت) يبلغ معدل 100 ألف زائر خلال نهاية الأسبوع، وذلك هروبا من الاكتظاظ المروري على الجسر، متوقعا أن "يتوزع هذا الرقم على مختلف شواطئ بنزرت الجميلة إثر انجاز الجسر الجديد".
ومن المنتظر أن يخفف الجسر الجديد الضغط المروري ويقلص وقت التنقل، فضلا عن المساهمة في تحقيق انتعاشة تنموية وسياحية واقتصادية واجتماعية بالمنطقة، وفق ما يؤكده مسؤولون بالجهة.
الجسر الجديد .. الخصائص
يمر الجسر الرئيسي فوق قنال الملاحة بعلو 56 مترا على سطح الماء وبطول 2،07 كلم، وله أسس مائية عميقة من النوع المزدوج وهو ذو هيكل معدني ومبلوط من الخرسانة المسلحة مما يوفر هيكلا متينا ومقاوما للماء.
ويشكل الجسر الرئيسي العمود الفقري للمشروع، الذي يربط الجسر بطريق سريعة مجهزة بثلاث محولات، بالإضافة إلى طريق سريعة ثانية مجهزة بمحول و4 منشآت فنية (جسور)، واحدة على الطريق الوطنية 309 وثانية على طريق بلدي وأخرى ذات هيكل معدني على سكة تزويد مصنع الاسمنت، بالإضافة إلى منشأة على طريق بلدي ومدخل مصنع الاسمنت.
وسيغير الجسر، الذي تنجزه شركة "سيشوان للطرقات والجسور الصينية"، حركة السير على الطرقات ويدعمها بإحداث أول طريق حزامية بالمدينة.
وتضمنت عناصر المشروع، الذي تبلغ كلفته الجملية 750 مليون دينار، تهيئة الأحياء المتاخمة لمساره، إذ يعمل على تهيئة ست أحياء شعبية بالمعتمديات المتاخمة للمشروع وهي، حافر المهر وبئر مسيوغة وحي الزهور من معتمدية بنزرت والعين الكبيرة وبن نيقرو من معتمدية منزل عبد الرحمان.
وتتمثل الأشغال في تعبيد حوالي 14 كلم من الطرقات مع تجهيزها بالإنارة العمومية وتبليط الأرصفة ومد حوالي 8 كلم من شبكات التطهير.
كما سيتم تهيئة فضاء ترفيهي على مساحة 2 هك يضم متحفا يعرف بمراحل تطور القنال.
قاطرة جديدة للتنمية
يرنو سكان الجهة إلى أن يفتح الجسر الجديد، الذي انطلقت أشغاله في جويلية 2024 وستستغرق 38 شهرا، "مجالا لتحقيق الازدهار والنمو للجهة، لا أن يكون مجرد ممر للعبور من وإلى مدينة بنزرت، نظرا لقدرته على فك عزلة المنطقة وجعل طموحاتها التنموية أكثر واقعية"، وفق عديد الشهادات.
ويعد مشروع جسر بنزرت الجديد من أكبر مشاريع البنية التحتية في تونس، وهو ممول بالاشتراك بين البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الإفريقي للتنمية وميزانية الدولة.
ووفق مسؤولي الجهة، يعتبر المشروع أحد مشاريع التكامل الاقتصادي في تونس، وهو يدعم دور الجهة كمركز اقتصادي رئيسي، بفضل الميناء التجاري الذي يعد نقطة محورية لخدمات النقل البحري، بفضل سواحلها الطويلة وثرواتها الطبيعية المتنوعة، ويدعم دورها كمركز فلاحي هام لوجود الموارد المائية الوفيرة، علاوة توفر خمس ميناءات للصيد البحري.
ومن شأن هذا المشروع، الذي سيكون جاهزا في سبتمبر 2027، تعزيز جاذبية ولاية بنزرت، إذ يتوقع أن يكون محفزا سياحيا، حيث سيزيد من قدرة الجهة على مزيد استقبال السياح وجعلها قطبا سياحيا إقليميا.
ولئن شكل الجسر الجديد أملا في مستقبل أفضل للجهة، فإن الجسر المتحرك القديم سيظل يعمل إلى حدود عام 2060، وفق ما أكده مسؤولون بولاية بنزرت لـوكالة تونس إفريقيا للانباء عبر مكتبها الإعلامي.
وذكروا في هذا الشأن أن "بنزرت لن تتخلى عن جسرها المتحرك .. فقد أضحى معلما تاريخيا ورمزا للمدينة".