الٱن

31/10/2022

أيام قرطاج السينمائية 2022: فيلم القطرة ليونس بن حجرية وثائقي يهدف إلى المحافظة على فن الإدبة ضمن التراث الشفوي

تابع جمهور الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية مساء أمس بقاعة ابن رشيق بالعاصمة الشريط الوثائقي "قطرة" للمخرج يونس بن حجرية، وهو عرض يندرج ضمن "قسم آفاق السينما التونسية" لهذه الدورة التي افتتحت أمس وتتواصل إلى غاية يوم 5 نوفمبر.

على مدى ساعة وربع، عاش الجمهور على وقع سهرات الأفراح والمناسبات في مدن الساحل التونسي ومنها بالخصوص مدينة المكنين التي يحضر فيها بقوة فن الإدبة أو ما يعرف بالشعر الملحون.

وتقفى المخرج بعدسته آثار "الغنّاية" الذين يطلق عليهم أيضا اسم "الأدباء" ومنهم بالخصوص الشاعر محمد خضر جديرة الذي برز في ثلاثينات القرن الماضي، ويمثل الأب الروحي لفناني وعشاق هذا النوع من الغناء والشعر الملحون.

وجاء الوثائقي زاخرا بالشهادات لعدد من الشعراء ممن عاصروا جديرة، ولمريدي هذا الشاعر المعروف في أوساط المولعين بفن "الإدبة" ولثلة من المؤرخين المختصين في هذا الفن الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من التراث الشفوي.

وعاش الجمهور أجواء الأفراح التي تعتبر الإدبة طابعها المميز. ولئن غابت المرأة عن هذا العمل (كما تغيب في الواقع عن هذا المحفل الرجالي)، باستثناء لمحها في لقطة تكاد تكون يتيمة، ولغايات ذات علاقة برسائل بين المرأة المتغنى بها والشاعر المتيم بها، فإنها كانت حاضرة بقوة في الشعر الملحون، من خلال تغني الشاعر بها والوصف الدقيق لمفاتنها ومشيتها وحركاتها، وما تثيره فيه من مشاعر، والتعبير عن ولهه وإعجابه الشديد بها.

ويعتبر المخرج أن" القوال والغناي شخصية واحدة يكمل فيها الصوت الكلمة والكلمة الصوت، ومن هذا وذاك يتولد الشعر الشعبي وتتنوع أغراضه وتتشعب أوزانه".

وقد نقل من خلال هذا الوثائقي الذي جمعه بالكثير من الشعراء الشعبيين، الكثير من القصائد في أغراض متنوعة منها "الكوت" و"الصحصاح" والرثاء، إلا أن القصائد الطاغية كانت في الغزل وكانت تسمى الشعر الأخضر ويميّز القوالة بين صنفين منه هما الأخضر أي الغزل العادي، والأخضر "الضريس" أي القصائد الإباحية، والتي تتضمن أحيانا كلمات قاتلة كالخراطيش على حد تعبير أحد الشعراء في الفيلم.

ولئن استمتع الكثير من الحاضرين من أصيلي مدينة المكنين الذين جاؤوا خصيصا لاستحضار جزء من ثراء مخزونهم التراثي وجوانب من طفولتهم وأجواء أفراحهم، فإن البعض الآخر من الجمهور كانت له فرصة اكتشاف هذا الفن سواء من حيث مضمون القصائد المغناة، أو العبارات المرتبطة بفن الإدبة المرتبط شديد الارتباط بالباردية (إطلاق أعيرة نارية في الفضاء) التي تعتبر من مميزات سهرة الشعر الملحون.

يقول الأديب والباحث في التاريخ محمد الجلاصي، الذي أسس مهرجان جديرة للأدب الشعبي والتراث في المكنين (الذي بلغ الدورة 24 هذا العام)، وترأسه لمدة عشر سنوات، قبل أن يسلم المشعل للشباب، إن المكنين تعد إحدى قلاع الأدب الشعبي باعتبار أنه يعود الى أواخر القرن 18 وبداية القرن 19 وبين في تصريح لوات، إثر عرض الفيلم، أن المكنين قدمت الكثير من الشعراء الشعبيين، أو ما يعرفون بالغناية، إلى درجة أن المشير أحمد باي سنة 1851 بعث لجنة الى المكنين سميت دار الطابع كانت تتولى "التأشير" أي تقييم الشعر الشعبي قبل الإذن لصاحبه بالغناء في الأفراح، قد ظل هذا الفن خالدا في المكنين وتناقلته الأجيال.

ولاحظ اهتماما كبيرا للشباب بفن الإدبة، منهم من حضر لمشاهدة الفيلم، قائلا إن عدد الشباب المهتمين بالإدبة يتزايد من سنة إلى أخرى في المكنين.

الباحث محمد الجلاصي الذي وردت شهاداته في هذا الوثائقي إلى جانب بقية شهادات المولعين بالإدبة، هو أيضا مساعد مخرج شريط "قطرة" والعنوان هو استعارة للمكان الذي يسهر فيه "القوالة" ويتدربون على الغناء وعلى كتابة الشعر الشعبي، انطلاقا من الإيمان بأن "قطرة مع قطرة، تصبح قصيدة". يختم تصريحه لوكالة تونس إفريقيا للأنباء قائلا "صحيح أننا ركزنا في الفيلم على الإدبة في مسقط رأسنا المكنين ولكن الغاية الأسمى من إنجاز هذا العمل، هي أن نوثق لهذا الفن خوفا من أن نفقده ذات يوم ويندثر".

 

 

 

 

الاكثر قراءة