افتتاح الدورة 56 لمهرجان قرطاج الدولي: الثقافة تكرّم أنس جابر تحت تشجيع جمهور عشاق الدنيا
تنبئ الطوابير الطويلة سويعات قبل فتح الأبواب للعموم عن تعطّش الجمهور للحفلات الصيفية وشوقه لارتياد المسرح الروماني بقرطاج وحنينه إلى هذا الصّرح التاريخي والمعماري الذي ظل نوره خافتا لسنتيْن متتاليتيْن بسبب جائحة كورونا. وها هو جمهور الدورة السادسة والخمسين يُعيد إليه بريقه وإشعاعه بعد أن حضر مساء أمس بأعداد هائلة امتلأت بها مدارج المسرح، ليواكب العرض الافتتاحي لهذه الدورة "عشاق الدنيا" لعبد الحميد بوشناق.
وشهد حفل افتتاح الدورة 56 لمهرجان قرطاج الدولي حضور وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي وعدد من أعضاء الحكومة. وقد تولّت وزيرة الشؤون الثقافية رفقة وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، قبيل العرض الافتتاحي، تكريم البطلة العالمية في رياضة التنس أنس جابر، عرفانا لها ولمساهمتها في رفع الراية التونسية عاليا وتشريف الرياضة التونسية لا سيما في دورة "ويمبلدون" الأخيرة لمّا بلغت نهائي هذه البطولة الدولية. وكان رئيس الجمهورية كرّمها ظهر أمس أيضا بمنحها الصنف الأول من وسام الاستحقاق الرياضي.
وعبّرت أنس جابر عن سعادتها بهذا التكريم الذي تمّ تحت تشجيع الحاضرين الذين هتفوا بالتحايا للبطلة العالمية، قائلة "شكرا لتونس وللتونسيين على التكريم، أنا ألعب من أجل الشعب التونسي، وأعدكم بالتتويج في قادم المحافل الدولية الكبرى".
وأفادت وزيرة الشؤون الثقافية في كلمة مقتضبة أن أنس جابر هي فخر تونس وللتونسيين "ولهذا أردنا تكريمها بحرارة أمام جمهور قرطاج".
من جانبه، أثنى وزير الشباب والرياضة على جهود اللاعبة وما حققته من أرقام وتتويجات ساهمت في التعريف بتونس والترويج لها على المستوى الدولي، واعتبرها سفيرة للسعادة وسفيرة لتونس وللمرأة التونسية.
وردّد جمهور قرطاج، إثر حفل تكريم البطلة العالمية أنس جابر، النشيد الوطني التونسي بحماس شديد، ثم تابع عرض الافتتاح الرسمي لهذه الدورة "عشاق الدنيا" للمخرج عبد الحميد بوشناق، وهي كوميديا موسيقية مستوحاة من المسلسل التلفزيوني الشهير "نوبة"، المتألف من 50 حلقة تمّ بثها على جزءين في رمضان 2019 و2020. وقد امتزجت في هذا العرض فنون المسرح بالرقص والغناء.
وشارك في هذا العرض عدد من الأسماء الفنية اللامعة على غرار المطرب لطفي بوشناق والممثلين بحري الرحالي وريم الرياحي وعزيز الجبالي وأميرة شبلي وهالة عياد والشاذلي عرفاوي وبلال بريكي ومهذب الرميلي وحمزة بوشناق إلى جانب الفنانين هشام سلام والتليلي القفصي وصالح الفرزيط وسمير الوصيف وكافون وعبد الوهاب الحناشي وحبيب الشنكاوي.
وعاد عرض "عشاق الدنيا" بالجمهور إلى فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حيث عرف "فن المزود" ازدهارا وانتشارا في تونس. وكان العرض بالنسبة إلى الكثير من الحاضرين بمثابة الحنين إلى الماضي واستحضار لذكريات الحب والفرح والأعراس و"الكافيشانطة".
وتفاعل الجمهور مع مختلف مشاهد العرض الدرامية والغنائية بالتصفيق والهتافات، وأطلق العنان للرقص على إيقاعات أغاني المزود الخالدة منها "كيف شبحت خيالك" للفنان القدير لطفي بوشناق الذي أدّى بالمناسبة أغنيته الجديدة "مازال صغير" حصريا خلال هذه الدورة.
وتناوب عدد من الفنانين على اعتلاء الركح مع كل مراوحة غنائية، فاستمع الجمهور لعديد الأغاني الخالدة منها أغنية "قالولي روح براني لصالح الفرزيط و"بنت الحي" لسمير الوصيف الذي أدى أيضا رائعته "تسحر عينيك" و"شلزني عالمر"، ثم تلته إطلالة الفنان عبد الوهاب الحناشي بأغنيتيْ "محبوبي" و"صبرك مكتوب".
واستمرّت أحداث العرض "عشاق الدنيا" لمدة ثلاث ساعات. وقد ردّد الجمهور خلالها مع التليلي القفصي "بري فوت" و"جيب الواد الواد"، ثم مع الفنان حبيب الشنكاوي "الوردة" ومع كافون "جيت نعوم الموج قلبني"، وأيضا "نجوم الليل الضواية" لهشام سلام، قبل أن يعتلي الفنان القدير لطفي بوشناق الركح مجدّدا ويؤدي "يا نوار اللوز" في اختتام العرض.
لقد أعادت الكوميديا الموسيقية "عشاق الدنيا" إحياء مجموعة من أغاني "فن المزود" بعد أن كادت تتلاشى وهي في أوج انتشارها في الثمانينات والتسعينات. كما أعادت الاعتبار للرقص الشعبي وللجسد. ووثقت لجزء من تاريخ تونس الفني والسياسي والاجتماعي والثقافي.
ولئن تحققت في عرض "عشاق الدنيا" المقومات الفنية الجمالية والبصرية من ديكور وسينوغرافيا أعادت، بالذاكرة، الجمهور إلى أجواء مر عليها أكثر من ثلاثين سنة، فإن العرض أيضا كان طويلا من حيث المساحة الزمنية، إذ ناهزت مدة العرض ثلاث ساعات ما جعل الإيقاع ينحدر من السرعة إلى البطء خاصة في نصف الساعة الأخير من العرض، وجعل بقية أطواره مملة، الأمر الذي دفع بعدد كبير من الحاضرين إلى مغادرة المسرح قبل انتهاء العرض.
وجدير بالتذكير أن لجمهور الدورة السادسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي موعد ثان مع عرض "عشاق الدنيا" في سهرة اليوم الجمعة 15 جويلية بالمسرح الروماني بقرطاج.