أحمد المسعودي: نعمل على قانون جديد يضع حدا لفوضى التوظيف بالخارج ويحمي حقوق وكرامة طالبي الشغل
في ظل تصاعد التجاوزات المرتكبة في مجال التوظيف بالخارج، تكثّف وزارة التشغيل والتكوين المهني مجهوداتها للحد من الممارسات غير القانونية عبر تعديل الإطار التشريعي وتكثيف الرقابة على الشركات الخاصة الناشطة في هذا المجال.
في هذا السياق أكد المدير العام للتوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية بوزارة التشغيل والتكوين المهني، أحمد المسعودي، أنّ القطاع يعاني من ثغرات قانونية سمحت بانتشار مكاتب توظيف غير مرخصة، مضيفا أن عدد الشكاوى بلغ المئات، وتمّت إحالة أكثر من 70 قضية على القضاء.
وكشف المسعودي في حوار خاص بالأستوديو التلفزي بوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن عدد المؤسسات الخاصة للتوظيف بالخارج التي تم الترخيص لها منذ 2010 بلغ 82، منها 62 فقط لا تزال في طور النشاط لافتا إلى أن الوزارة تعمل على صياغة مشروع قانون جديد يكرّس آليات ردعية ويفرض رقابة أشد، بالإضافة إلى توفير منصة رقمية تتضمن بيانات المؤسسات المرخص لها وغير المرخص لها، بهدف تعزيز الشفافية وحماية طالبي الشغل من الوقوع ضحية الاحتيال.
*كم يبلغ عدد الشركات الخاصة للتوظيف بالخارج المرخّص لها؟ وكم وظّفت من يد عاملة تونسية بالخارج؟
تم إصدار الإطار القانوني المنظّم لهذا النشاط سنة 2010، وهو يتيح للمؤسسات الراغبة في ممارسة التوظيف بالخارج بصفة قانونية التقدّم بملفاتها إلى وزارة التشغيل للحصول على ترخيص رسمي و منذ ذلك التاريخ وإلى نهاية سنة 2024، تم تأسيس 62 مؤسسة خاصة لا تزال في طور النشاط حاليا. في المجمل، تم منح 82 ترخيصا، إلا أنّ عددا من المؤسسات تقدّمت بطلبات سحب الترخيص بمحض إرادتها، كما تم سحب تراخيص أخرى من قبل الوزارة بسبب تجاوزات. فعليا، تم سحب الترخيص من شركتين بعد التأكد من ارتكابهما لمخالفات جسيمة.
*مجال التوظيف بالخارج لا يخلو من تجاوزات. هل لديكم معطيات قضائية عن عدد الشكاوى في هذا الصدد؟
خلال السنوات الأخيرة، تلقت الوزارة مئات الشكايات من طالبي الشغل، بالإضافة إلى عمليات الرصد التي قمنا بها لأنشطة بعض المؤسسات الخاصة التي تشتغل بصفة قانونية ولكنها تستغل شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لابتزاز طالبي الشغل ومطالبتهم بمبالغ مالية كبيرة مقابل توظيفهم بالخارج. نحن نعتقد أن عدد الشركات غير المرخص لها يفوق بكثير عدد الشركات المرخص لها، والتي يبلغ عددها 62 شركة حاليا.
*فيما تتمثّل هذه التجاوزات؟
التجاوزات المرصودة تأتي أساسا من الشركات غير المرخص لها، وتتمثّل في تقديم عقود شغل وهمية، والتحيّل على طالبي الشغل عبر تغيير طبيعة العقود من حيث الأجور أو الامتيازات أو طبيعة الوظيفة عند الوصول إلى بلد القبول. كما يتم مطالبة طالبي الشغل بدفع مبالغ مالية، وهو أمر غير قانوني تماما، لأن مكاتب التوظيف المرخص لها مطالبة قانونا بإسداء خدماتها لطالبي الشغل مجانا، وتتحصّل على أرباحها من الشركات المنتفعة بالخدمات والموجودة بالخارج.
نحن نحرص دائما على الظهور في وسائل الإعلام أو عبر الصفحة الرسمية للوزارة لتحذير طالبي الشغل من التعامل مع المؤسسات غير القانونية، ونذكّرهم بأن الشركات المرخص لها لا يجوز لها قانونيا تقاضي أي مقابل مادي من طالبي الشغل.
ما هي تدخلات الوزارة لردع المؤسسات المخالفة سواء كانت مرخّص لها أو غير مرخص لها؟
الوزارة تتمتع بسلطة رقابية على المؤسسات الخاصة المرخص لها. لدينا 30 عون مراقبة يتولّون بصفة دورية زيارة هذه المؤسسات وإعداد تقارير حول مدى تطابق نشاطها مع الإطار القانوني. في حال وجود تجاوزات بسيطة، يتم توجيه إنذار للمؤسسة. أما في حال وجود مخالفات أكبر، يتم سحب الترخيص مؤقتا، وفي حال ثبوت مخالفات جسيمة مثل تقاضي مبالغ مالية من طالبي الشغل، يتم سحب الترخيص نهائيا.
كما نطلب من طالبي الشغل الذين تم ابتزازهم تقديم مؤيدات تثبت دفعهم لتلك المبالغ، سواء في شكل وصل أو صك بنكي أو "كمبيالة" أو تحويل بنكي، وفي هذه الحالة يتم اقتطاع المبلغ من الضمان البنكي للمؤسسة المعنية (30 ألف دينار)، وإرجاعه إلى المتضرر.
هل قمتم برفع دعاوى قضائية ضد المؤسسات المخالفة؟
نعم، قمنا برفع قضايا ضد شركتين مرخص لهما بعد تأكدنا من تقاضيهما مبالغ مالية من طالبي الشغل، وتم سحب تراخيصهما. أما بالنسبة للمؤسسات غير المرخص لها، فقد أحلنا أكثر من 71 شكاية على النيابة العمومية، استنادا إلى شكاوى واردة من المواطنين أو بناء على ما تم رصده على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.
ما هي النقائص التي يعاني منها الإطار القانوني المنظّم للتوظيف بالخارج؟
رغم الجهود المبذولة، إلا أن الإطار القانوني الحالي يعاني من ثغرات عدّة. أبرزها أنه لا يحتوي على آليات فعالة لردع المؤسسات غير القانونية، كما أن سلطة الرقابة التي نتمتع بها تقتصر فقط على المؤسسات المرخص لها.
من النقائص الأخرى، غياب عقد وساطة بين طالب الشغل والمكتب المرخص له، كان من المفترض أن يضبط حقوق وواجبات كل طرف. كما لا يوجد فصل قانوني يسمح بالغلق الفوري للمؤسسات غير القانونية. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد عقوبات سجنية ضد المؤسسات الناشطة دون ترخيص، وهو ما دفعنا إلى إعداد مشروع قانون جديد يتضمن آليات أكثر نجاعة وردعا.
متى انطلقتم في إعداد هذا المشروع؟ وما هي الأطراف المشاركة؟
انطلقنا في إعداد مشروع القانون الجديد منذ سنة 2017، وتم العمل عليه بصفة تشاركية، بمشاركة مختلف الهياكل العمومية والشركاء الاجتماعيين. المشروع متكامل ويسعى إلى تنظيم الوساطة الخاصة بالتوظيف بالخارج، مع ضمان حماية حقوق طالبي الشغل، وتوفير عقود تحفظ كرامتهم وتضمن حقوقهم.
في أي مرحلة يوجد المشروع حاليا؟ ومتى سيُحال على أنظار رئاسة الحكومة؟
تمت إحالة مشروع القانون الجديد على رئاسة الحكومة، والتي بدورها وجهته إلى الهياكل المعنية لإبداء الرأي. وقد تلقينا جميع الملاحظات، ونظمنا ورشة عمل بتاريخ 15 أفريل الجاري لدراستها والخروج بصيغة توافقية، ومن المنتظر إعادة إحالته مجددًا إلى رئاسة الحكومة.
ما الجديد في مشروع القانون؟ وما هي العقوبات المقترحة؟
مشروع القانون الجديد يتضمّن العديد من المستجدات، من بينها تمكين أعوان المراقبة من التوجه إلى المؤسسات سواء كانت مرخصة أو غير مرخصة وتحرير محاضر مخالفة عند رصد التجاوزات. كما ينصّ على الغلق الفوري لمقرات المؤسسات غير المرخص لها بقرار من وزير التشغيل.
كما يُلزم المؤسسات المرخص لها بتوقيع عقد وساطة مع طالبي الشغل يحدد حقوق وواجبات كل طرف. ويتضمن المشروع عقوبات جزائية قد تصل إلى 5 سنوات سجن وغرامات مالية تصل إلى 20 ألف دينار، ضد كل من يقدم عقودا وهمية أو يغير في طبيعة العقد أو يستغل وسائل التواصل أو المواقع دون ترخيص. وستتعاون الوزارة مع المصالح المختصة لحجب كل المواقع أو الصفحات التي تنشر إعلانات دون ترخيص.
ماذا عن الإعلانات التي تروّج لها بعض المؤسسات الإعلامية لفائدة شركات غير مرخّص لها في التوظيف بالخارج؟
نعم، لاحظنا أن بعض المؤسسات الإعلامية تنشر إعلانات لمكاتب توظيف غير مرخص لها وتقدّمها على أنها تجارب ناجحة، وهو ما يساهم في تضليل طالبي الشغل. المشروع الجديد يتصدّى لهذا النوع من الإعلانات، وينصّ على فرض غرامة مالية تصل إلى 5 آلاف دينار على كل وسيلة إعلام تنشر أو تعلن عن مؤسسة غير مرخص لها.
هل تضمّن مشروع القانون عقوبات في حال وجود جرائم اتجار بالبشر؟
في الحقيقة، تم رصد حالات ترتقي إلى جريمة الاتجار بالأشخاص، خصوصا ما يتعلق باستغلال الفتيات العاملات في المنازل. تونس لديها قانون يجرّم الاتجار بالبشر، ويشمل عقوبات صارمة، ومشروع القانون الجديد يكرّس تطبيق هذه العقوبات في حال تورطت مؤسسات توظيف بالخارج في مثل هذه الجرائم.
ما هي الآليات الأخرى التي ستعتمدها الوزارة لمحاصرة التوظيف غير القانوني؟
نحن بصدد تطوير منصة رقمية موجّهة للمؤسسات الخاصة المرخص لها، تتضمن قائمة بالمؤسسات المرخص لها وغير المرخص لها، لتكون مرجعا لطالبي الشغل. كما ستحتوي المنصة على فضاء إعلامي لتقديم الشكاوى من العموم، وتمكّن المؤسسات المرخص لها من الإبلاغ عن الأنشطة غير القانونية، وكذلك تسجيل جميع عمليات التوظيف التي تتم عن طريقها لتكون مرجعية لأعمال المراقبة والتفقد.