25/04/2023

سيدي بوزيد: التزود بالماء من البئر العميقة .. معاناة يومية تعيشها النساء في مجابهة العطش بمنطقة هنشير الشبيكة

وكالة تونس إفريقيا للأنباء

تجر "دلولة شيحاوي" حمارها الذي يجر بدوره عربة رصفت فوقها أواني وأوعية وقوارير بلاستيكية، متجهة نحو البئر العميقة (السنطاج) بمنطقة "هنشير الشبيكة" التابعة لمعتمدية جلمة من ولاية سيدي بوزيد، لتملأها بالماء وتعود أدراجها إلى المنزل، مهمة، تكررها يوميا 3 مرات، وهو عدد يتضاف في فصل الصيف، فقد تعودت على مختلف فصول العطش ولا تزال تكابد بشكل يومي من أجل التزود بالماء، بطرق بدائية تمكنها من توفير حاجة عائلتها من الماء شأنها شأن كافة نساء "الدوار".

ترتسم تجاعيد على أصابع يد "دلولة"، توحي بسن اكبر من سنها فهي في العقد السادس من العمر، تجلب الماء بهذه الطريقة البدائية طوال عمرها منذ ان كانت فتاة شابة الى ان تزوجت واصبحت اليوم جدّة، فقد نال منها الإرهاق سنوات العمر وضاقت ذرعا بهذا الوضع الذي "لم يتغير ولن يتغير" حسب تقديرها.

علا صوت "دلولة" وهي تنتقد الحكومات المتعاقبة، التي لم تحرّك ساكنا تجاه وضعية سكان "هنشير الشبيكة" (دوار الشوايحية)، الذين يعانون العطش ومشقة جلب الماء، كأنما يعيشون في عصور خلت، يتمنون فقط لو يفتحون الحنفيات فينسكب الماء ويتعالى خريره إلى المسامع، ولو تتوفر كميات الماء الكافية للغسيل والطبخ والتنظيف والاستحمام ولشرب الحيوانات دون مشقة جلب الماء على بعد كيلومترات شتاء في البرد القارس، و حرا في الصيف.

تحدثت الى صحفية "وات" بوجع سنين، فكانت تغالب دمعها، وغصة استوطنت في حلقها، فهي تحس بضيم نال من صحتها وسنوات عمرها "إنّه الماء .. ومن يستغني عن الماء في كل تفاصيل الحياة .. إنّه الحياة ونحن محرومون منها".

تضطر نساء وفتيات القرية، يوميا، للتوجه إلى البئر العميقة مرتين أو ثلاث مرات وأحيانا يأتي عدد من سكان القرى المجاورة من "الفطاحلية" ودوار "صالح بن عمر" للتزود بالماء من البئر العميقة، فيصبح الوضع لا يطاق وتضطر النساء والفتيات إلى الانتظار لساعات من اجل ملء الاوعية البلاستيكية، مطلبهم الوحيد، توفير مياه الشرب ومد شبكة التزود بالماء الى المنازل من أجل وضع حد للعطش وإنقاذ النساء من مشقة التزود بالماء التي تحولت إلى قدر محتوم.

جلب الماء في هذه الأرياف، مهمة موكولة للنساء والفتيات دون سواهم، وقلما يتوجه أحد أطفال القرية الى البئر لتعبئة الماء، فقد أضافت مشقة جلب الماء ثقلا على نساء القرية اللاتي توكل لهن كل أشغال البيت ومشاغل حياة الريف من تربية الماشية والعمل في الضيعات الفلاحية وغيرها، كل العائلات بمنطقة "الشوايحية" من "دوار المناصرية" و"دوار الفطاحلية" و"دوار صالح بن عمر" تتزود من البئر العميقة الجماعية، فعلى طول الطريق تعترضك بين الفينة والأخرى أحمرة تجر العربات باتجاه "السنطاج" لتعبئة كميات من المياه للاستعمال والشرب.

في حديثها، أكدت "دلولة شيحاوي" أن أغلب سكان المنطقة يعانون من أمراض وخاصة امراض الكلى التى تسببت في مكوث عدد منهم بالمستشفيات لفترة او المداومة على استعمال الأدوية، جراء شرب هذه المياه الملوثة غير المراقبة وتعبئتها بشكل غير صحي في أوعية بلاستيكية، حيث تنبعث من المياه رائحة كريهة ما يجبر النساء على وضع عود من نبتة "الإكليل" بها أو وضعها في وعاء لفترة زمنية طويلة حتى تتجمع الشوائب في القاع ويمكن استعمال كميات منها للشرب.

همست "دلولة" بنبرة حزينة قائلة "الوضع يسوء في فصل الصيف إذ يتضاعف استعمال الماء وتتضاعف معه معاناة النساء، وهي معاناة تتحول الى جحيم لا يطاق ولا يحتمل عندما يتكرر انقطاع التيار الكهربائي، فتضطر نساء القرية للتوجه الى المناطق المجاورة التي توجد بها آبار عميقة للتزود بمياه الشرب على وجه الفضل".

وبالاضافة الى مشكل التزود بالماء، تتحدث "دلولة" عن وضع منطقتها التي تقع في الحد الفاصل بين ولايتي سيدي بوزيد والقيروان والتى "لم تنصف على مر السنين بمسؤول يطرح مشاكلها ومشاغل أهلها الذين يعيشون عزلة ونقصا لكل المرافق الضرورية التي تقدم خدمات للمواطن، وهي تعيش كل أشكال الفقر والتهميش لعل أهمها العطش وضياع الشباب والأطفال وانقطاعهم عن الدراسة وعدم توفر مواطن الشغل والظروف الاجتماعية الصعبة لأغلب السكان".

من جهتها أكدت المديرة التنفيذية لجمعية "انتصار" للمرأة الريفية كريمة عمامي في تصريح ل"وات"، أن الحق في الماء حق يضمنه الفصل 44 من الدستور التونسي، ونددت بالوضعية التي تعيشها بعض القرى في سنة 2023 حيث مازالت النساء في الريف تجلبن الماء بطرق تقليدية من الآبار العميقة أو من العيون المائية الطبيعية على بعد كيلومترات، ولفتت إلى أن الأوعية المخصصة لتعبئة الماء غالبا ما تكون مضرة بالصحة ولا يخضع الماء للرقابة الصحية ما يمثل خطرا على حياة المواطنين.

واستنكرت عمامي الثقافة السائدة التي توكل مهمة جلب الماء في المناطق التي تعاني العطش، للنساء والفتيات، وعابت عدم مراعاة ثقل الأواني والأوعية البلاستيكة، التي تزن غالبا 20 لترا أو أكثر، ومشقة هذه المهمة التي تتكبدها المرأة وتجبر على تحمل مسؤولية توفير حاجة العائلة دون سواها من الماء.

من جانبه، أفاد معتمد جلمة مسعود الشرفي في تصريح ل"وات"، أنه يوجد بمنطقة "الشوايحية/هنشير الشبيكة" حوالي 250 عائلة تتزود من بئر عميقة ازدواجية (توفر ماء الشرب وماء الريّ كمنطقة سقوية في نفس الوقت)، ولفت إلى أنه تم انجاز حفرية سنة 2018 تتمثل في بئر عميقة لتدعيم البئر القديمة ويتمّ حاليا انجاز دراسة بالمندوبية الجهوية للفلاحة بسيدي بوزيد بهدف تجهيز البئر (كهربة البئر) ومد شبكة قنوات الماء بالتنسيق مع سكان المنطقة لتزويدهم بمياه الشرب، وهو مشروع سيمكن من حل إشكال التزود بالماء في منطقة "الشوايحية"، وفق قوله.

مشهد يومي لتجمع النساء حول البئر العميقة، ومهمة شاقة وعربات تجرها الأحمرة على جانب الطريق تسير نحو المنازل بعد الحصول على كميات الماء اللازمة للاستعمال اليومي والشرب، هاجس يطارد النساء في الليل والنهار وفي مختلف وضعياتهن لا عذر للمريضة ولا للمتعبة ولا للحامل ولا للصغيرة ولا للمسنة، هن مطالبات بجلب ما تحتاجه عائلاتهن من ماء مهما كان وضعهن.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة