الٱن

17/06/2024

الإدمان الرقمي خطر داهم يغتال روح الطفولة

وكالة تونس إفريقيا للانباء

في حركية نشطة لا تكاد تنقطع بقاعة الانتظار بقسم الإنعاش بالمستشفى العسكري يغدو أناس ويروحون للاطمئنان على ذويهم. تدخل أم تعلو ملامح وجهها اللهفة ويعتري جسمها الاضطراب. كانت تمسك ابنها الصغير ذي الأربع سنوات تقريبا وتركته وحيدا على أحد المقاعد رفقة هاتف ذكي يبدو أن الطفل متعود على استخدامه ومكث طيلة الوقت يبحر في الانترنات دون حسيب ولا رقيب.

تلهى الطفل واسمه إقبال عن الحاضرين بالقاعة حتى انه جلس على الكرسي ذاته كانت فتاة لا يتجاوز عمرها 15سنة تجلس عليه. انشغل كلاهما بالهاتف الجوال الذكي وبين الفينة والأخرى تحدج الفتاة بنظرات غاضبة تنهره على رفع صوت مقاطع الفيديو التي يشاهدها.

فجأة تهرول الأم نحو طفلها لتفتك له الهاتف لتجري اتصالا هاتفيا. اتخذ الطفل مكانا له بين ساقيها يبكي ويتوسل كي تعيد له الهاتف اكتفت بنهرهه ولم تبال بصراخه وتوسلاته.

ترى رانية وهي موظفة وأم لطفلين يبلغا من العمر 11 و 8 سنوات أن استعمال الطفل هاتفا ذكيا في سن مبكرة يعد خطرا محدقا به ، محذرة الاولياء بالسماح لاطفالهم باستخدام الهاتف في سن مبكرة .

وعلّلت ذلك بما حصل لابنها عندما كان في سن 3 سنوات إذ صار ينخرط في نوبات بكاء عندما ترفض احيانا اعطائه الهاتف فقررت منذ ذلك الحين منعه عنه الى سن 11 سنة واتخذت نفس الاجراء مع ابنتها.

واتفق سليم وهو موظف واب لطفلين 14 و7سنوات مع الام رانية في موقفها لكنه أقر قائلا "غير ان الواقع يفرض نفسه وهناك العديد من الفلتات رغم رفضي لها".

واضاف "سمحت لاحد اولادي باستخدام الهاتف الذكي في سن 11 سنة واحرص دائما على مراقبته رغم تعمده في كثير من الاحيان متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والاخر اقتنيت له جهاز العاب فيديو في سن 4 سنوات وانا نادم على ذلك".

وقصت هدى وهي موظفة وام لبنتين تبلغا من العمر سنتين ونصف و9 سنوات على (وات) قصة ادمان بنتيها على الاجهزة الذكية فالطفلة ذات عامين ونصف متأخرة في النطق وتعرضت للشاشات مؤخرا من جهاز تلفاز وهاتف محمول ذكي حتى انها تعرف كيفية فتح مقاطع الفيديو في الهاتف وتمضي الوقت الذي تعمل فيه امها في التعرض للشاشات.

وتابعت قولها "ابنتي ذات التسع السنوات تمضي اوقات فراغها في مشاهدة مقاطع الفيديو بجهاز الهاتف الذكي واللوحة الرقمية فحاولت الهاءها فسجلتها في نادي مجوهرات بمدرستها الخاصة ولاحظت شغفها بما تصنعها في الحصة الا ان ميلها للاجهزة الذكية ما زال على حاله".

وترى فائقة وهي موظفة وأم لثلاثة أطفال يتراوح أعمارهم بين 7 و11 و12 سنة أن الاجهزة الذكية غير مسموح بها للاطفال دون 11 سنة الا ان الواقع غيّر من بعض هذه المبادئ هي تحرص في سن التمدرس بالمرحلة الابتدائية الا تسمح لهم باستخدامها لكن أترابهم يؤثرون عليهم.

.

الادمان الرقمي ....متعة لامتناهية يستزيد منها المدمن دون إحساس بمرور الوقت

واعتبر الاخصائي النفسي، طارق السعيدي، في تصريح لـ(وات)، أن الاستخدام المفرط للشاشات عادة ما يقود الى الادمان الرقمي الذي يصن من الاضطرابات النفسية العصبية لتأثيره على نفسية الفرد وعلى العمل الطبيعي للدماغ.

وأبرز أن الادمان الرقمي يؤثر على جودة الحياة الانسان النفسية والصحية والعلائقية والعاطفية والاجتماعية والدراسية، معتبرا أنه بات مشكلا من مشاكل الصحة العمومية ولا يقلّ شأنا عن الامراض المتفشية الأخرى.

وفسّر الجانب العلمي لظاهرة الادمان الرقمي قائلا إن "الدماغ يفرز هرمونات منها هرمون السعادة الذي يتحكم به مادة الدوبامين التي يفرزها الدماغ أكثر عند الشعور بالرضا والسعادة. ويستزيد الاشخاص المدمنون من سلوك معين كي يشعروا بسعادة اكبر فيتولى المدمن الرفع من ساعات التعرض للشاشات قدر الامكان لارضاء نفسه".

ويغيّر الادمان، وفق طارق السعيدي، طبيعة عمل الدماغ من خلال ظهور سلوك غير طبيعي وهو ما ينعكس سلبا على العلاقات مع العائلة.

الادمان الرقمي... بين الاسباب والتداعيات والحلول

وأرجع طارق السعيدي، أسباب الادمان الى عدم ايلاء الاولياء الوقت الكافي ذي الجودة لابنائهم، فضلا عن نقص التفاعل مع الطبيعة والانشطة في الفضاءات المفتوحة والانشطة الرياضية والثقافية.

ويتسبب الادمان الرقمي، وفق محدث (وات)، في تأخر النطق وتراجع النمو النفسي والحركي فضلا عن المشاكل المعرفية ومرض السمنة وعدم القدرة على التحكم في الانفعالات.

من جهتها، اعتبرت الاخصائية في علم النفس العصبي السريري بجمعية روابط، شيماء قلاوي، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء، أن الوالدين لهما دور حاسم في تقييد استخدامهم الضار للانترنات والاجهزة الذكية وحمايتهم من الادمان الرقمي.

ويمكن أن تدفع عدّة أسباب الاطفال والمراهقين الى الادمان الرقمي منها اضطرابات القلق أو توتر المناخ العائلي مما يزيد ذلك من خطر الادمان في ظل غياب رقابة الوالدين، وفق الاخصائية.

وبيّنت أن علامات الادمان الرقمي تظهر على الشاشات لدى الاطفال والمراهقين من خلال تمضية وقت زائد أمامها وحالة احباط كبيرة جراء عدم الوصول للانترنات وقلق متواصل بشأن الاتصال بها وتحل الحياة الافتراضية محل العلاقات الواقعية بصفة تدريجية.

ويعاني المدمن الرقمي، وفق شيماء قلاوي، من أعراض سلوكية منها فقدان الاحساس بالزمن كما يصعب عليهم إيقاف أو مغادرة أجهزتهم، حتى عندما يكونون ينوون ذلك، مما يشير إلى إدمان قوي.

وأضافت أن المدمنين ينكرون الوقت الذي يمضونه امام الشاشات رغم كثرته ولا يلتزمون بالقيود المفروضة من قبل الوالدين بشأن تقييدهم للاستخدامات.

وفي حال يتم تقييد الوصول إلى الشاشات، يتفاعل البعض بعدوانية أو عنف مع والديهم أو محيطهم.

ولفتت الى أنهم يتجاهلون أنشطتهم المعتادة ومسؤولياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية مقابل استخدامهم للشاشات، مما قد يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي وانسحاب من الحياة العائلية والمدرسية.

وذكرت أنه يمكن أن يؤدي "الافتتان" بالشاشات إلى انخفاض في الأداء الدراسي، وصعوبات في التركيز، ومشاكل في الذاكرة ، فضلا عن اضطرابات النوم مما يسبب اضطرابات مثل الأرق أو دورات النوم غير المنتظمة.

و قد يشعر المدمنون بالتعب المستمر نتيجة للنوم المضطرب أو غير الكافي، مما يؤثر على مستوى طاقتهم ووظيفتهم اليومية و قد يظهر على بعضهم تغييرات في شهيتهم، مع انخفاض أو زيادة في الشهية، مما قد يؤدي إلى تغيرات في الوزن.

وأبرزت أن التعرض المطول للشاشات يمكن ان يسبب صداعًا وشقيقة، بسبب التعب البصري والتوتر العضلي وجفاف في العين.

وأكدت أهمية أن يكون الحوار بين الوالدين والأطفال مفتوحًا ومستمرًا حول هذا الموضوع و أن تشمل هذه الحوارات التعرف على المخاطر المحتملة للإدمان على الشاشات وكيفية الحفاظ على التوازن بين الواقع والعالم الافتراضي.

وأكد الاخصائي النفسي، طارق السعيدي، على ضرورة ممارسة الهوايات وتوفير مناخ أسري سليم وآمن وتقييد الاستخدام بطرق ذكية من قبل الاولياء.

يذكر أن منظمة الصحة العالمية أوصت بمنع استخدام الشاشات لمن هم أقل من سنتين والسماح بها لمدة ساعة في اليوم لمن يفوق سنهم 5 سنوات.

ومشهد اقبال ليس بالغريب ولا الاستثنائي فالهاتف الذكي "سلاح" قتل الوقت في جميع الأماكن والازمنة دون استثناء لجميع الفئات العمرية عند الكثيرين حسب ما يلاحظ عند التنقل الى الاماكن العمومية والفضاءات المفتوحة وخاصة عيادات الاطباء وطوابير الانتظار للتبضع فالجميع مطأطأ رأسه يغير بأصبعه الفيديوهات او يبحر في مواقع التواصل الاجتماعي غير عابئين بالمحيطين بهم.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة