أنامل تتحدى الطين والفقر: نساء منزل فارسي يصنعن الأمل من الفخار
لا أحد يدرك ما يشعرن به ولا الظروف التي أجبرتهن على امتهان هذه المهنة .. هنّ مجموعة من النسوة تجاوزن العقد الخامس أو السادس من عمرهن تراهم يفترشن الأرض وأمامهن كومة من الطين المبلّل يشكلنه بأناملهنّ ويطوّعنه لتصبح أوان فخارية.
هنّ نساء حرفيات تقتصر صناعتهن على "الكانون" الذي يستعمل للتدفئة وطهي التاي والقهوة و"الطاجين" و "الطابونة" وهي أدوات تقليدية لطهي الخبز وتستعمل ايضا للشواء.
"صنعة الجدود"
هذه الأواني الفخارية التي تتفنّن النّسوة في صناعتها وتشكيلها وزخرفتها، لم تعد محل اهتمام في بعض الجهات الأخرى لكنّها لازالت هنا في منزل فارسي من معتمدية المكنين من ولاية المنستير تشكّل مصدر رزق لعدد من العائلات وكذلك مصدر فخر لهم باعتبارها "صنعة الجدود".
وتشير أرقام رسمية أنّ أكثر من 200 حرفية في منزل فارسي تمارس صناعة الفخار التقليدي وأنّ عدد كبير منهم يمارسونه كمهنة قارة .
وصناعة الفخار في منزل فارسي هو حرفة تقليدية متجذّرة تمتد ممارستها لأكثر من 3000 سنة حيث تشتهر الجهة بصناعة الفخار المقولب يدويا والذي يعد نشاطا نسائيا منزليا.
وفي هذا الإطار تقول السيدة شدلية حفيّظ البالغة من العمر 60 سنة إنها ورثت هذه الصناعة عن أمها وجدّتها منذ كان عمرها 14 سنة وأنها بدورها علّمتها لبناتها للحفاظ على هذا الموروث الذي يميز الجهة.
وتفيد بأنّ الحاجة وغياب مورد رزق للعائلة هو الذي دفعها للعمل في صناعة الفخّار ، موضحة أنها تمكنت من تزويج بناتها من عائدات البيع التي لا تفي بالغرض لكنها تعيل عائلة بأكملها.
فيما تذهب شريفة سليمة وهي صاحبة مشروع إلى أنّها تمتهن هذا النشاط منذ أكثر من 25 سنة بعد أن تعلّمت الحرفة من والدتها وأنّ توفّر المواد الأولية بالمنطقة هو الذي شجّعها على مشروعها هذا بعد أن غادرت المصنع الذي كانت تشتغل فيها وظلّت لفترة عاطلة عن العمل.
// الإقبال والترويج ..
عن صناعة الفخّار التقليدي تقول شريفة والنسوة اللاتي يشتغلن معها، إنّه يمرّ بعدّة مراحل تقليدية من البداية إلى حين الوصول به الى منتوج قابل للترويج تنطلق رحلة المنتوج بجمع الطين ووضعه في الماء ليوم كامل من ثمة خلطه مع مادّة "التافون" (مسحوق بقايا الأواني الفخارية التي تكسّرت أثناء الطهي) والرّماد الأسود او ما يطلقن عليه النسوة "تراب المردومة" لتبدأ عملية انتاج الفخار التقليدي من التشكيل والطهي في أفران تقليدية باستعمال الحطب إلى الزخرفة.
وتؤكّد النسوة اللاتي تجمّعنا بمنزل صاحبة المشروع ، أنّهن في أغلب الأحيان يعملن من منازلهنّ وأنّ الإقبال على بضاعتهنّ موجود وأنّ أجرتهنّ يتلقينها يوميا ومرتبطة بعدد القطع التي صنعنهنّ أوّلا وبمن وفّر المواد الأولية ثانيا في حين عمليّة الترويج تكون بالقطعة أو بالجملة.
وهنا تؤكّد شريفة سليمة ، أنّ ترويج هذه القطع الفخارية مزدهر في المنطقة سواء الى مناطق داخليّة كالشمال الغربي أو إلى خارج حدود الوطن على غرار ليبيا
وتشير المتحدثة، إلى أنّ ما تصنعنه نساء منزل فارسي يختلف عن الفخار التقليدي الذي تصنعنه نساء سجنان من ولاية بننزرت والبرامة الموجّه إلى السيّاح.
// تصوّرات مستقبليّة.
تؤكّد النسوة أنّهنّ يطمحن إلى الارتقاء بصناعة الفخّار وتحسينه لخلق أسواق جديدة له ويكون وجهة للسيّاح أيضا لكنّ ذلك يتطلّب الدعم وفق قولهنّ.
وهنا يوضّح المندوب الجهوي للديوان الوطني للصناعات التقليدية كاظم المصمودي ، أنّ صناعة الفخّار هي مورد رزق في منزل فارسي وأنّ هذه الصناعة مكّنت المرأة ذات المستوى التعليمي المحدود أو المتقدّمة في السنّ من العمل في منزلها من خلال ورشة صغيرة توفّر لها مدخول قار.
وأوضح انّ التكلفة غير باهظة لتوفّر المواد الأوّلية الأساسية لصناعة الفخّار بالجهة وانّ الدولة وفّرت برامج في مجال التمويل والقروض الصغرى لتشجيعهنّ
وأكّد أنّ النشاط يبقى قابل للتحسن وأنّه "لا بدّ من التأطير الفني لتحسين جودة المنتوج وابتكار منتوجات جديدة يمكن من خلالها اقتحام أسواق جديدة " حسب تقديره.
كما لفت إلى أنّ المرأة الحرفية تعتمد على تقنيات بسيطة في الفخار التقليدي منها عملية الطهي في أفران تقليدية واستعمال الحطب، لكنّه أكّد ضرورة التمكين الاقتصادي للمرأة في منزل فارسي والعمل على التجديد
وأوضّح المسؤول، في الآن نفسه وجود برنامج مستقبلي مع وزارة المرأة والديوان الوطني للصناعات التقليدية للحرص على تطوير آليات إنتاج المرأة الحرفية.
وقال إنّه بصدد مساعدة النسوة لإيجاد مجمع تنمية في الجهة ضمن برنامج سلاسل القيمة لدعم الصناعة وذلك للتمكّن من تنفيذ التصورات والبرامج المستقبلية بما يمكّن من توسيع الأسواق وتطوير المنتج المحلي وجعله قادرا على المنافسة في الأسواق السياحية والتصدير إلى الخارج.
كما لفت إلى أن صناعة الفخّار تعاني العديد من الإشكاليات بالنظر إلى أنّ أغلب الأنشطة فردية وغير مهيكلة وأنّ الأفران التقليدية تعدّ أهمّ العوائق التي تقف أمام تطوير هذا المجال، بما يستوجب إنشاء مجمع تنمية وتشريك كل المتدخلين في القطاع جهويا ومحليا لإيجاد حلول وتمكين الحرفيات من استعمال أفران عصرية لتحسين الجودة والرفع من طاقة القطاع التشغيلية.
يشار إلى أنّ قطاع الفخار بولاية المنستير وتحديدا بمنزل فارسي والمكنين يشغّل أكثر من 600 متدخّلا ويصدر أكثر من 5 مليون دينار سنويا.