الٱن

03/07/2020

مصادقة مجلس الأمن على مشروع القرار التونسي-الفرنسي حول كورونا ثمرة جهود رئاسية وديبلوماسية كبيرة

تعتبر مصادقة مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء 1 جويلية 2020 على مشروع القرار التونسي الفرنسي حول جائحة كورونا "كوفيد- 19" حدثا تاريخيا هاما ونجاحا كبيرا لتونس تم تحقيقه بعد مجهودات كبيرة ومسار تفاوضي طويل دام نحو أربعة أشهر وشهد تعثرا خلال المفاوضات بين بعض الدول أعضاء المجلس

ولم يكن من اليسير تحقيق هذا الإنجاز لولا تضافر الجهود على عدة مستويات : تضافر الجهود بين الجانبين التونسي والفرنسي من جهة، وتضافر الجهود أيضا وطنيا على عدة مستويات. ويُعدّ هذا الإنجاز مكسبا لتونس وللدبلوماسية التونسية وتتويجا لجهود كبيرة لرئاسة الجمهورية وللعديد من الأطراف الأخرى لا سيما وزارة الشؤون الخارجية والبعثة التونسية الدائمة بنيويورك وكافة البعثات الدبلوماسية التونسية بالخارج بما يؤكد مرة أخرى رصيد الاحترام والتقدير الذي تتمتع به بلادنا لدى مختلف الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية والإقليمية

فمنذ بدء تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بتاريخ 11 مارس جائحة عالمية، أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد على ضرورة التضامن والتعاون بين مختلف البلدان لمقاومته، ودعا إلى اعتماد مقاربة جديدة تختلف عن المقاربات التقليدية، وقدم مبادرة يدعو فيها الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد مقاربة عالمية لمقاومة هذه الجائحة لأن المسألة تتعلق بالإنسانية جمعاء

 ولحشد الدعم اللازم لهذه المبادرة التي لقيت ترحابا وتقديرا من قبل مجلس الأمن، كان للرئيس قيس سعيد سلسلة من المشاورات والاتصالات التي أجراها مع عدد من ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة الممثلة في مجلس الأمن لإبراز أهمية التصويت لفائدة قرار يتعلق بالسلم والأمن الدوليين في مفهومهما الواسع

 كما كان هذا الموضوع محلّ مباحثات مكثفة لرئيس الجمهورية مع كلّ من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد "أنطونيو غوتيريس" الذي وجّه له الرئيس قيس سعيد رسالة رسمية في الغرض، وكذلك مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية السيد "تيدروس غيبريسوس" ومع ممثل هذه المنظمة في تونس.

وقد أولى رئيس الجمهورية هذا الملف متابعة خاصة ومستمرة لكل مراحل المشاورات والمفاوضات حول محتوى مشروع القرار والمقترحات المقدمة من طرف سائر أعضاء مجلس الأمن .  

وبما أن فرنسا ارتأت أيضا أن تتقدم بمشروع حول المسألة ذاتها، فقد تم الاتفاق حول ضرورة العمل على مشروع قرار موحد يتضمن العناصر الموجودة في المقترحين التونسي والفرنسي ويجمع المقترحات التي قد يتقدم بها بقية أعضاء مجلس الأمن. وحرص البلدان على تذليل الصعوبات التي حالت في البداية دون وضعه للتصويت وذلك بهدف الحصول على أكبر توافق ممكن حول المشروع باعتباره مشروعا يعالج مسائل إنسانية بحتة تتعلق بتداعيات جائحة كورونا باعتبارها أصبحت تمثّل مصدر تهديد للأمن والسلم الدوليين

وفي هذا السياق كان لديوان رئيس الجمهورية وخاصة رئاسة الديوان والدائرة الديبلوماسية دور كبير في متابعة نسق التفاوض من خلال عقد اجتماعات برئاسة الجمهورية مع عدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في تونس في إطار متابعة مجريات هذا الملف والتأكيد على أهمية التصويت لفائدة هذا المشروع الذي يهم الإنسانية جمعاء والوضع الصحي لمختلف الشعوب

 وتبعا لذلك، تمّ إحراز تقدم في المفاوضات بين بعض أعضاء مجلس الأمن لا سيما الدول التي كانت لديها احترازات حول بعض المضامين والمصطلحات الواردة في مشروع القرار. وقد تفاعلت مختلف الوفود إيجابيا وتمّ التوصّل إلى نصّ متوازن يمكن اعتماده من قبل مجلس الأمن

 وقد حرص رئيس الجمهورية خلال زيارة الصداقة والعمل التي أدّاها إلى فرنسا يومي 22 و23 جوان 2020، الى مزيد الدفع بمسار المفاوضات وقد تطرق الى ذلك خلال محادثاته مع الرئيس ماكرون رئيس فرنسا التي كانت تترأس مجلس الأمن خلال شهر جوان .

ويطالب مشروع القرار في صيغته الحالية بإيقاف فوري وشامل للنزاعات المسلحة على الأقل، ويدعو مختلف الأطراف الضالعة فيها إلى هدنة إنسانية لا تقل عن 90 يوما، بما يمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية كما يؤكد على أنّ حالات العنف وعدم الاستقرار الناجمة عن هذه النزاعات يمكن أن تؤدّي إلى تفشي الوباء واستعصاء احتواء آثاره كما أنّ عدم التمكن من محاصرة هذه الجائحة سيكون له من ناحية أخرى انعكاسات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين.

كما يطالب مشروع القرار بالسماح لعمليات حفظ السلام بالقيام بالمهمات الموكولة إليها في مناطق النزاعات المختلفة. وقد ساعدت هذه المحاور غير الخلافية على اعتماد مشروع القرار بعد انخراط كافة أعضاء مجلس الأمن في مساندته وهو ما يعكس رغبة المجتمع الدولي بأسره في التصدّي الجماعي لمجابهة هذه الجائحة والحدّ من تداعياتها الخطيرة، فضلا عن السعي إلى تفادي تسييس هذا القرار وإبقائه في أبعاده الإنسانية البحتة

 ويترجم اعتماد القرار بإجماع كافة أعضاء مجلس الأمن، وعيا جماعيا بدقّة الظرف الدولي وحرصا مشتركا على صياغة رؤى جديدة تقوم على قيم التضامن والتآزر. كما يؤكد على أنّ التضامن بين الدول يعدّ قيمة أساسية لمجابهة مختلف التحديات لا سيما منها تلك التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين على غرار جائحة كورونا التي أثبتت الأحداث أنّ معالجتها بشكل فاعل لا يمكن أن يكون بشكل فردي وإنما في إطار جماعي ومن خلال تضافر المجهودات الدولية

وقد مكّن هذا القرار التاريخي من توسيع مفهوم الأمن الشامل وأعطى لمجلس الأمن دفعا جديدا ومكّنه من آلية ضرورية للتعامل الناجع والسريع مع الأزمات والتهديدات المستجدّة للأمن والسلم الدوليين والتي أثبتت الأحداث بأنه لا يمكن لأي دولة إدارتها والتوقّي منها والحدّ من انتشارها بشكل منفرد على غرار جائحة "كوفيد - 19". وسوف يكون لهذا القرار انعكاسات إيجابية خاصة في مناطق النزاعات ولا سيما الفئات الهشّة على غرار المرأة والأطفال والشباب واللاجئين والنازحين وذوي الاحتياجات الخصوصية.

الاكثر قراءة