مخرجات تونسيات: المرأة اكتسحت الإخراج المسرحي بأفكارها وإبداعاتها وليس من باب التمييز الجندري
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق النساء، نظم المسرح الوطني التونسي في سهرة أمس الجمعة 7 مارس بقاعة الفن الرابع في تونس العاصمة مائدة مستديرة تحت عنوان "الرّكح المؤنّث"، احتفاء بالمخرجات المسرحيات التونسيات. وجمعت هذه المائدة المستديرة ثلاث مخرجات بارزات هنّ ليلى طوبال ووفاء الطبوبي ولبنى مليكة، بإدارة الناقدة فوزية بلحاج المزي. وقد حضر هذا اللقاء نخبة من المسرحيين حيث مثّل فرصة للتأمل في مسيرة المرأة في المسرح التونسي ودورها المتنامي كمبدعة وصانعة للمحتوى الفني.
افتتح المدير العام للمسرح الوطني التونسي معز المرابط، اللقاء بكلمة أكد فيها أهمية هذا اللقاء، مشيرا إلى أن الاحتفاء بالمخرجات المسرحيات هو تكريم رمزي للمخرجات المسرحيات وخطوة نحو تسليط الضوء على تجارب نسائية رائدة ساهمت في تطوير المشهد المسرحي التونسي. وأبرز المرابط أن الجيل الجديد من المخرجات يواصل تقديم إضافة نوعية من خلال رؤية جديدة وقضايا إنسانية عميقة تعكس التنوع والثراء في المسرح التونسي.
وفي مداخلتها، قدّمت الناقدة فوزية بلحاج المزي قراءة تاريخية لمسار المرأة في المسرح التونسي، مشيرة إلى أن حضورها في البداية كان يقتصر على التمثيل، حيث كان على الممثلات تحدي نظرة المجتمع وصورة المرأة على الركح. وقالت: "لم يبدأ دخول النساء إلى مجال الإخراج إلا في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، حيث فرضت بعض الأسماء نفسها على غرار رجاء بن عمار التي اعتُبرت من الرائدات في المجال". ولفتت بلحاج المزي إلى أن المخرجات اليوم لم يدخلن إلى هذا المجال من باب "تحدي الوصم الاجتماعي" كما كان الحال مع الأجيال السابقة بل بدافع الاحترافية والرغبة في تقديم رؤى إخراجية خاصة بهنّ.
ليلى طوبال: المسرح يحتاج إلى الإنسانية قبل النسوية
من جهتها، اعتبرت المخرجة ليلى طوبال أن المسرح لا يحتاج إلى أن يكون "نسويا" بقدر ما يحتاج إلى الإنسانية، مؤكدة أن القضية الأهم ليست في أن تكون المخرجة امرأة، بل في أن يكون لديها خطاب إبداعي قوي. وأشارت إلى أن تجربة رجاء بن عمار كانت استثنائية لأنها كسرت الصورة النمطية للمخرجة، وقدّمت أعمالا ترجمت قضايا مجتمعية وإنسانية كونية. كما شددت على أهمية دعم المسرح الوطني لهذه التجارب، معتبرة أن المؤسسات الثقافية تلعب دورا حيويا في تمكين المرأة المسرحية.
لبنى مليكة: الفن بين الهوية النسوية والتجربة الإبداعية
أما المخرجة لبنى مليكة، فقد أكدت أنها لا تنكر انتماءها للحركة النسوية، لكنها ترفض أن يتم التعامل مع أعمالها من منطلق "الهوية الجندرية" فقط، مشددة على أن الإبداع المسرحي يتجاوز مسألة الجنس ليكون تجربة إنسانية شاملة. وأشارت إلى أن الأجيال الجديدة من المخرجات أصبحن يركزن على تقديم أعمال ذات رؤية جمالية ومضامين عميقة، بعيدا عن فكرة "إثبات الذات أمام الرجل".
وفاء الطبوبي: من أجل فضاء إبداعي أكثر شمولية
من جانبها، شددت المخرجة وفاء الطبوبي على ضرورة خلق فضاء إبداعي أكثر انفتاحا أمام النساء، مؤكدة أن التحدي اليوم لم يعد فقط في "وجود المرأة على الركح"، بل في مدى قدرتها على فرض مشاريعها الإبداعية في ظلّ بيئة مسرحية يهيمن عليها الرجال سواء في الإدارة أو الإنتاج. واعتبرت أن دعم المؤسسات الثقافية ضروري لضمان حضور أقوى للمرأة في مجال الإخراج والإنتاج المسرحي.
واختُتمت المائدة المستديرة بنقاش مفتوح أكّد على أن تجربة المرأة في المسرح التونسي تعيش مرحلة جديدة، حيث لم تعد المخرجات مجرد "استثناءات" وإنما أصبحن جزءا محوريا في المشهد المسرحي. كما أجمع الحاضرون على أن حضور المخرجات التونسيات يشكل إضافة نوعية تثري المشهد المسرحي برؤى مختلفة ومتجددة.