طاقة شمسية: 43 ألف أسرة فقط تستخدم طاقة نظيفة تروّج لها تونس على أنّها أولويّة
تعتمد 43 ألف أسرة، فقط، على الطاقة الشمسية لتوليد حاجتها من الطاقة، وفق ما أظهرته احصاءات الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز (نهاية أوت 2021)، رغم اختيار تونس الاستثمار في الطاقات المتجددة ودعمها منذ سنة 2010.
وركزت السلطات على الطاقة الشمسية من خلال الدعم، الذّي يقدمه صندوق الانتقال الطاقي للشركات وكذلك للأسر عن طريق الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة.
ولا يبدو أن البلاد تسير في النهج الصحيح لتحقيق هدفها المنشود في هذا المجال وهو بلوغ نسبة 30 بالمائة من الطاقات المتجددة ضمن المزيج الطاقي بحلول سنة 2030.
ومن المنتظر أن تصطدم طموحات البلاد بالمزيد من العراقيل في تحقيق أهدافها بخصوص الترفيع من حصّة الطاقات المتجددة بعد أن أبطأت جائحة كورونا من وتيرة إنجاز المشاريع المبرمجة وكذلك بعد قرار الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة التخفيض في نسبة الدعم للكيلواط الواحد من 1200 دينار إلى 500 دينار فقط حاليا.
ومن شأن هذا التخفيض أن ينعكس سلبا على الشركات العاملة في تركيب اللاقطات الشمسية وتجهيزات الطاقات المتجددة وكذلك على الحرفاء من الأسر، حسب ما صرح به ل"وات"، حسام الخلفاوي، وهو صاحب شركة خاصة لتركيب الألواح الشمسيّة.
فقد اتخذ حجم مبيعات الشركة، ما قبل سنة 2021، منحى تصاعديا طيلة السنوات العشر الأخيرة لكنّه اتخذ هذا المنحى اتجاها معاكسا بعد اقرار التقليص في الدعم.
ولا مثّل التخفيض من الدعم السبب الوحيد في تراجع نشاط الشركات العاملة في مجال تركيب الألواح الشمسية في تونس، بل ساهم ارتفاع كلفة هذه الألواح، أيضا، خلال سنة 2021 بنسبة 17 بالمائة بسبب جائحة كوفيد-19، في تراجع حجم مبيعات المؤسّسات الناشطة في مجال الطاقات المتجددة.
وحسب حسام، لم يتجاوز حجم مبيعات شركته هذه السنة 60 كيلواط كرات مقابل 300 كيلواط كرات سنة 2020.
وكانت الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة قد أكدت أنها أبقت على قيمة المنحة بالنسبة للأنظمة الفولطاضوئية ذات قدرة مركبة تقل أو تعادل 1,5 كيلواط في مستوى 1500 دينار لكل كيلواط.
وتبقى الطاقة الشمسية الفولطاضوئية التقنية الأكثر انتشارا في تونس، والتي يتقنها مهنيو الطاقات المتجددة في البلاد.
منح دعم لم تصرف في آجالها...
تسند الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة منحا للشركات الناشطة في مجال تركيز الألواح الشمسية للأسر وفق عقود برامج.
في الواقع، يفسر حسام قائلا "لفهم ما يحدث بشكل أفضل، يجب أن نعلم أن الدولة، في إطار تعزيز الطاقات المتجددة في القطاع السكني، تقدم للمواطنين دعما على كل طاقة مركزة من الألواح الشمسية". ولا تقوم الدولة بتوفير هذا الدعم بشكل مباشر لفائدة الأسر بل تطلب من شركات الطاقة خصم مبلغ الدعم من فاتورة الحريف وتتعهد الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة بتعويض الخصم لفائدة هذه الشركات بمجرد تشغيل النظام والحصول على "وصل استلام النظام" من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز وهي ممارسة أشبه بتلك المعتمدة بين الصيدليات وشركة التأمين على المرض، التي تمكن المواطنين من شراء الأدوية بأسعار أقل".
غير أنه منذ سبتمبر 2020 لم تتحصل أي شركة على هذه المنحة رغم أن الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة أكدت أنه تم حل جميع الإشكاليات الفنية والمالية والتعاقدية وسيتم الانطلاق في صرف جميع المستحقات العالقة.
هذه الوضعية ضاعفت صعوبات الشركات الناشطة في مجال تركيز أنظمة الطاقة الشمسية ، حسب المستثمر الشاب، " وجعلتها عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها إزاء المزودين وموظفيها.
الدولة لا تفعل ما يكفي للنهوض بالطاقات المتجددة
لطالما تم الترويج للطاقات المتجددة كأولوية وطنية في تونس نظرًا للعجز الطاقي الذي تشهده البلاد والذي بلغ حوالي 55 بالمائة مع استمرار استيراد المحروقات.
لكن السلطات الطاقية لا تفعل ما يكفي لتهيئة المناخ الملائم لتنمية الاستثمارات في الطاقات المتجددة، لا سيما من خلال إبطاء أنشطة الشركات العاملة في المجال وعدم التنفيذ السريع للبرامج المرسومة وصرف المنح في آجالها لمساعدة الشركات على مواجهة أعبائها الإدارية والمالية.
"كما يوجد تقصير من الدولة من ناحية الدعاية لهذه المنظومة وحث المواطنين على الإقبال عليها من أجل تحقيق التوسع المطلوب والإقناع بأن الطاقة الشمسية هي الحل الوحيد لنشر الطاقة النظيفة، وفق "حسام " صاحب الشركة التي تعمل منذ أكثر من 10 سنوات في هذا المجال.
من جانبه لم ينف المدير التجاري والتسويق بالشركة التونسية للكهرباء والغاز، سامي بن حميدة، وجود إشكال آخر وهو تأخر توفير العدادات التي تتولى الشركة تركيزها لدى حرفاء الطاقة الشمسية خاصة منذ شهر مارس 2021.
وأرجع هذا التأخير إلى أن عملية اقتناء العدادات تخضع لقانون الصفقات العمومية مؤكدا توفر مخزون من العدادات، منذ جوان 2021، يقدر بـنحو 3500 عداد ثلاثي الأطوار و1500 عداد أحادي الاطوار كما تعتزم الشركة شراء 25 ألف عداد إضافي. وسيتم، في هذا السياق، إطلاق طلب عروض موفى سنة 2021.
وتجدر الاشارة إلى أن هذه العدادات تمكن من إعادة الفائض من الطاقة إلى الشبكة الرئيسية لشركة الكهرباء وفي حالة عدم قيام الحريف بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية فإنه يحصل على الكهرباء بصورة مباشرة من الشبكة.
ويؤكد المسؤول ذاته، أن فاتورة الاستهلاك للحريف المنخرط ضمن هذا البرنامج يمكن أن تنخفض الى حدود 70 بالمائة عن الفاتورة العادية في صورة حفاظ الحريف على المستوى الاستهلاكي، الذي اعتاد عليه، قبل اعتماد الطاقة الشمسية.
يذكر أن الشركة التونسيّة للكهرباء والغاز أنشأت بمدينة توزر محطتين للطاقة الفولطاضوئية بقدرة 10 ميغاوط لكل واحدة علما وأن محطة توزر 1 دخلت حيز الاستغلال.
غير أن مساهمة الإنتاج من الطاقة الشمسية للشركة التونسية للكهرباء والغاز تبقى محتشمة فهي لا تتجاوز 1 بالمائة من إجمالي موارد الطاقة وفق ما كشفه المرصد الوطني للطاقة والمناجم في نشريته الأخيرة.
ورغم أن المسؤولين عن مجال الطاقات المتجددة عموما والطاقة الشمسية بالخصوص، ما انفكوا يرددون أن الهدف المنشود هو "ألواح شمسية فوق كل سطح"، فإن الأسر التونسية لا تبدي، إلى اليوم، إقبالا واسعا على هذه الطاقة النظيفة إما بسبب تعقّد الاجراءات أو بسبب نقص التحسيس بأهميتها وبما توفره الدولة من منح وبما تتيحه الطاقات البديلة من امتيازات.
وبالتالي يبقى مخطط تونس، الذي يرنو إلى رفع مساهمة الطاقات المتجددة في انتاج الطاقة إلى 30 بالمائة في غضون سنة 2030، مجرد بيان تعاد تلاوته خلال التظاهرات والمواعيد الوطنية والدولية، لكن الواقع لا يبدو ملائما لهذا الطموح والدليل أن البلاد لم تحقق إلى حد الآن سوى نسبة 6 بالمائة من الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي وهو رقم قد يكون مضخما مقارنة بالواقع.