الٱن

18/02/2019

ردود الأفعال والقراءات حول تصريحات راشد الغنوشي بشأن بقاء حكومة الشاهد من عدمه

أثارت تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي، أمس الأحد، بخصوص بقاء حكومة يوسف الشاهد إلى حدود تنظيم الانتخابات القادمة من عدمه، ردود أفعال مختلفة بين السياسيين والفاعلين في المشهد السياسي.

وكان راشد الغنوشي قال أمس الأحد بالمنستير إنّ" الحركة بصدد التشاور مع كلّ الأطراف بشأن الإبقاء على حكومة يوسف الشاهد إلى حين الانتخابات المقرّرة آخر سنة 2019 أو تغييرها بحكومة تكنوقراط أو حكومة انتخابات".

ولئن كان الحديث أو الدعوة إلى تغيير حكومة يوسف الشاهد مطلبا ليس بالجديد وكانت نادت به منذ مدة أطراف سياسية مختلفة، سواء في المعارضة (الجبهة الشعبية)، أو كانت مكونا أساسيا للإئتلاف الحاكم ("نداء تونس" الذي كان ينتسب إليه الشاهد ورشحه لرئاسة الحكومة)، ولم يجد صداه ولا مداه رغم الأزمات المتتالية التي عاشتها البلاد، فإن طرح هذا الموقف بشكل علني من قبل أكبر القوى السياسية الداعمة لهذه الحكومة، يجعل السؤال عن وضع الحكومة الحالية أكثر جدية، ويبرز أن مصيرها قد وضع بالفعل على محك الحسابات الانتخابية وفوق طاولة الرهانات السياسية، وذلك أشهرا قليلة قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

تصريحات الغنوشي وتوقيتها تباينت الآراء بشأنها وتعدّدت القراءات، إذ اعتبر عدد من السياسيين أنّها تؤكّد استمرار حركة النهضة في مناوراتها السياسية من أجل الضغط على حلفائها واستغلالهم أكثر ما يمكن لتمرير مواقفها وأجنداتها، في حين رأى آخرون أن موقف النهضة غير مفاجئ وأنّ تغييرها لموقفها من حكومة الشاهد والتلميح إلى امكانية تغييرها بـ"حكومة تكنوقراط أو انتخابات" كان متوقّعا منذ مدّة، لتخوّفها من تمدّد حزب "تحيا تونس" "ما يزال قيد التأسيس ومنسوب ليوسف الشاهد)، وإمكانية فقدانها لتصّدرها للمشهد السياسي والبرلماني قبل الانتخابات القادمة.

وفي هذا الشأن حاول نائب رئيس حركة النهضة، علي العريّض، أن يقلل من أهمية التأويلات الذي ذهبت إليها عدة أطراف بخصوص تصريحات الغنوشي، وقال إنّ الحركة أكّدت موقفها من الحكومة وتريد أن يرتكز عملها حول ضمان الاستقرار وإنجاز الإصلاحات ومقاومة غلاء الأسعار ومكافحة الفساد وحسن الاستعداد للإنتخابات التشريعية والرئاسيّة القادمة.

وأكّد مواصلة دعم الحركة لهذ الحكومة، قائلا " نحن أكدنا موقفنا من الحكومة .. نحن جزء منها وداعمون لها .. نحن من الحزام السياسي الداعم لها مع حزب مشروع تونس والحزب الناشئ تحيا تونس وحزب المبادرة". وتابع قوله " في خطتنا وفي خيارنا هذه الحكومة مستمرة إلى حين موعد الانتخابات والإنتهاء منها".

ولفت إلى أنّ حركة النهضة حريصة فقط على أن تكون هذه الحكومة على نفس المسافة من جميع الأحزاب وأن تتعاطى معها بمسؤوليّة لكي لا يقع الخلط أو توظيف أجهزة الدولة وإمكانياتها لصالح حزب معيّن، وفق تعبيره.

وأوضح أنّ رئيس الحركة راشد الغنوشي أكد في بداية تصريحه أن حكومة الشاهد ستستمر إلى حين موعد الانتخابات، مضيفا في هذا الإطار أنّ أية أفكار أو نقاشات أخرى سيتمّ دراستها في الإبان.

من جانبه قال صلاح البرقاوي (حركة مشروع تونس) إنّ ما ورد في تصريحات رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي كان من السيناريوهات المحتملة بالنظر إلى أنّ المتابع لتصريحاته ولمواقفه ولمواقف النهضة عموما يعرف جيّدا أنّ ذلك من عادات الحركة في التعامل مع الأشخاص الذين تستغلهم لتمرير مواقفها بين فترة وأخرى، مبيّنا أنّ هذه المسألة تعرّض لها سابقا كلّ من تعامل معها كأحزاب التكتّل والمؤتمر ونداء تونس وذلك في إطار مناوراتها السياسية التي تظلّ قائمة.

كما أشار إلى إمكانية أن تكون تصريحات الغنوشي ردّة فعل بخصوص توجه مؤثر إلى حد ما داخل النهضة، وهو ضد استمرار الشاهد في الحكومة لاستغلال مركزه في تحقيق نجاح الحزب الذي هو بصدد تأسيسه.

أمّا وليد جلاد عن حركة "تحيا تونس" (مشروع سياسي قيد التأسيس) فقد أشار إلى أنّ كتلة الإئتلاف الوطني، الداعمة لحكومة الشاهد والتي انبثق عنها المشروع السياسي الجديد "تحيا تونس"، متمسّكة بالاستقرار الحكومي الذي اعتبر أنه أعطى نتيجته.

وبيّن أن تخطي البلاد لأزمتها الاجتماعيّة أثبت صحة موقفهم، وفق تقديره، ومن هذا المنظور قال جلاد نحن متمسكون بالاستقرار الحكومي ولا تعنينا حكومة انتخابات أو تكنوقراط.

بدوره أشار الجيلاني الهمامي (الجبهة الشعبيّة) إلى أنّ ما أعلن عنه رئيس حركة النهضة كان متوقّعا منذ مدّة خاصّة وأن كل ما طالبت به الحركة من شروط على غرار عدم الترشح للانتخابات القادمة لم يجب عنه الشاهد.

وبيّن أنّ حركة النهضة اقتنعت اليوم أنّ الشاهد ماض في ترشّحه للرئاسة وأنه مستفيد من وجوده على رأس الحكومة ومن تحالفه معها، لذلك شرعت في التلميح للتخلي عنه.

ولفت إلى أنّ موقف النهضة سيكون أكثر صراحة وصرامة في الأيام القادمة من خلال المطالبة بإقالة حكومة الشاهد وتشكيل حكومة انتخابات، خاصة وأنها على علم باستغلال الشاهد لإمكانيات الدولة لفائدة حزبه الجديد، الذي يهدف إلى حصد 109 نواب في البرلمان القادم (للحصول على الأغلبية المطلقة)، وهي مسألة قال إنها تخيف النهضة، التي تريد أن تبقى الكتلة الأكبر في البرلمان والمتحكمة في التحالفات القادمة.

وفي هذا السياق اعتبر الهمّامي أنّ "الحسابات الحقيقية" بين مكونات هذا الائتلاف الحاكم انطلقت وأنّه سيتمّ الزج بالبلاد في أزمة جديدة، وفق تقديره.

من جانبها وصفت سامية عبّو (التيار الديمقراطي) راشد الغنوشي بالحاكم الفعلي للبلاد وقالت إنه على الجميع الاعتراف بذلك، لافتة في الصدد إلى أنّ الشاهد ظلّ في منصبه وغاب كليا الحديث عن إنهاء حكومته عندما قرّر الغنوشي ذلك، واليوم عاد الحديث حوله بتصريح من رئيس حركة النهضة حول ذهاب هذه الحكومة.

وانتقدت عبّو هذه المسألة، غير أنها أشارت إلى أنّها كانت تتوقّع ذلك منذ فترة بالنظر إلى أن حركة النهضة أرادت مساعدة الشاهد ومساندته لتكوين حزب حتى تتحالف معه بعد انتخابات 2019، واليوم هي "في حاجة إلى عودة الود مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي لضمان السلام والوصول للانتخابات"، معتبرة أن ما صرح به رئيس الحركة يندرج في إطار تخطيطها المحكم وتكتيكها لمصلحة الحزب.

أمّا زهير المغزاوي (حركة الشعب) فقد أكّد أنّ تصريح الغنوشي حول إمكانية التخلي عن الشاهد يثبت "عدم مبدئية حركة النهضة التي صدّعت رؤوس التونسيين في الفترة الأخيرة بتمسّكها بالشاهد وبالإستقرار الحكومي"، وفق تعبيره.

وقال إنّ هذا التصريح يعكس الأزمة الخانقة التي يعيشها الائتلاف الحاكم الحالي، والذي تبحث مختلف مكوناته عن مخارج آمنة لهم.

واعتبر أن الائتلاف الحاكم يبحث اليوم عن كيفية التخلّص من الفشل الحاصل طيلة السنوات الأخيرة بهدف الذهاب الى انتخابات 2019 وكأنه غير مسؤول عن حالة الانهيار التي شهدتها البلاد على جميع المستويات.

من جانبه اعتبر حسن العماري (نداء تونس) أنّ ما ورد على لسان الغنوشي من تصريحات يؤكد التغيير الكبير في موقفه تجاه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وذلك من خلال الحديث عن حكومة تعدّ للانتخابات القادمة، بعد أن كان يتمحور حول ضرورة تحقيق الإستقرار السياسي.

ولاحظ أنّه يفهم من تصريحات الغنوشي وجود تخوفات من استغلال مرافق الدولة في الانتخابات القادمة، خاصة وقد برز ذلك من خلال الوفد الذي رافق رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى باريس واستعمال هذه الزيارة لأغراض أخرى وللتعريف بالحزب الجديد، في إشارة حزب "تحيا تونس" الذي هو قيد التأسيس.

وذكر العماري بأنّ موقف نداء تونس من تغيير الحكومة ثابت وذلك بسبب حالة الشلل والأزمة السياسية التي تسببت فيها، مبيّنا أنّ تغيّر موقف حركة النهضة يمكن أن يكون هدفه مزيد الضغط للسيطرة أكثر على مفاصل الدولة في ظل وجود حركة للولاة والمعتمدين، وفق تقديره.

الاكثر قراءة