الٱن

27/10/2017

"دوخة" : مسرحية تكشف الوجه الآخر للإنسان وتبرز مظاهر تشتته الفكري

كان لجمهور فضاء التياترو بالعاصمة، مساء الخميس، موعدٌ مع العرض الثاني لمسرحية "دوخة"، تأليف وإخراج زهرة زموري وهي أيضا إحدى أبطال المسرحية إلى جانب كل من يسر قلعي وفاطمة فالحي وعاصم بالتوهامي.

تتمحور أحداث المسرحية، وفق الورقة التقديمية للعمل، حول "راوٍ ومعلّق يشتركان في سرد قصّة شخصياتها أفراد عائلة واحدة، لتتوارى الحكاية فيما بعد فاسحة المجال لشخصيات متعددة ومختلفة تعرض شظايا وضعيات لنماذج إنسانية مصغرة".

استوحت مؤلفة هذا العمل ومخرجته أحداث المسرحية من قيم المجتمع التونسي وسلوكياته بعد الثورة، قيم متباينة بين ما يقوله التونسي وما يفعله وبين ما يتبناه من أفكار ومعتقدات وما يطبقه في الواقع وبين ما يعلنه وما يخفيه. فوضعت النخب السياسية والثقافية و"الثورية" محلّ تهكّم وسخرية، لتكشف ازدواجية الخطاب لديهم، وتعرّي ما يتشدّقون به من قيم طوباوية لا تصمد أمام الواقع.

واستعانت المخرجة في المسرحية بمجموعة من الأكسسوارات والملابس كالكراسي والأحذية والدمى، لما لها من دلالات رمزية عميقة. وقد تجلّت هذه الدلالات بقوة في المشهد الذي جمع كلّا من عاصم بالتوهامي وزهرة الزموري وهما يستخرجان أكداسا من الأحذية كانت محفوظة داخل الكيس، إذ تحدّثا عن الفوارق الاجتماعية بين العائلات التونسية، بحيث أضحت القيم تقاس بالانتماء العائلي وليس بمكانة أفرادها في المجتمع. كما لعبت هذه الأحذية وظيفة للاحتجاج والرفض، وتحوّلت إلى أداة لرشق السياسي الذي ادّعى أنه من قام بالثورة (عاصم بالتوهامي)، وقد أعادت للأذهان مشهد الصحفي العراقي الذي رشق الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن سنة 2008، بحذاء خلال مؤتمر صحفي عند زيارته للعراق.

أمّا دمى الأطفال التي علّقت على الركح، فاستخدمها الممثلون لإبرازها كمخلوق بشريّ لا يتغيّر أبدا، فيعيش مع تفاصيله وملامحه، ليصطدم فيما بعد بكائن بشري من الواقع له وجه وملامح وتعابير. وقد أرادت المخرجة من خلال هذا الموقف إجراء مقارنة بين مخلوقين متشابهين من عالمين مختلفين لإبراز الفوارق بينهما، والخروج بنتيجة هي أن الإنسان مهما كانت انتماءاته الايديولوجية فهو كائن متغيّر في المواقف والقيم.

مظاهر الفوضى والانقسام والتشتّت تمظهر في أحداث المسرحية أيضا من خلال "الانفجار الفكري" الذي أفرزته الثورة، والذي حال دون إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وأدى إلى استفحال البطالة والفقر وغلاء الأسعار وتأزم الاقتصاد الوطني.

ويمكن اعتبار مسرحية "دوخة" دراسة في علم النفس لواقع المجتمع التونسي بعد 14 جانفي 2011، وقد حذّرت المخرجة من تواصل مظاهر التأخّر الفكري للمجتمع التونسي والعربي عموما، مبرزة أن التغيير الحقيقي يجب أن يشمل العقل البشري ونمط تفكيره، لا أن يكون التغيير من الخارج فحسب لأن ذلك سريع الزوال.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة