06/06/2021

الأخبار الزائفة... تحد جديد للصحافة الجادة ..مصداقية على المحك وواجهة جديدة لمعركة حرية التعبير

أمام الانخراط الواسع المتنامي في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي ظل غياب قوانين تنظم النشر على هذه المواقع، انضافت لوسائل الإعلام المهنية والجادة، مهمة لا تقل أهمية عن وظائفها التقليدية في نقل الخبر والتعليق، وهي التحري حول الأخبار الكاذبة أو الزائفة أو المشبوهة، التي شهدت وتشهد نسف انتشار تصاعدي، وخاصة منذ بداية انتشار جائحة كورونا.

مكافحة هذه الظاهرة، التي لم تستثن تقريبا أي دولة، تعتبر، وفق أهل الاختصاص، مهمة صحفية بالأساس، حفاظا على صحافة الجودة وثقة المواطن في المصادر الإعلامية ذات المصداقية، من جهة، وصدا لكل المحاولات الرامية لاستغلال مكافحة الأخبار الزائفة كحجة ومدخل للحد من حرية التعبير من خلال سن تشريعات تقيد الحقوق والحريات، من جهة أخرى.

 مسؤولون في الدولة وسياسيون وبعض وسائل إعلام أصبحوا يروجون للأخبار الكاذبة

وفي هذا السياق، لفتت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أميرة محمد، في تصريح ل"وات"، إلى أن التجربة الواقعية تفيد بأن الأخبار الزائفة تنتشر بسرعة وتتسبب في توتير المناخ العام الاجتماعي، وخاصة السياسي في تونس، إذ يتم استغلال الأخبار الزائفة أحيانا لتوجيه الرأي العام وتضليله، منبهة إلى أن الأخطر من ذلك هو أن "مسؤولين في الدولة، من أعضاء حكومة ونواب وسياسيين، يقدمون معطيات خاطئة ويغالطون الشعب".وبينت أن الأخبار الزائفة والمضللة تنتشر أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي بعض الصفحات التي تسمي نفسها "صحفا الكترونية"، وذلك لغايات بعيدة كل البعد عن العمل الصحفي، "إما لضرب جهة معينة، أو للترويج لطرف سياسي بكل الوسائل، وهو ما يتسبب في وجود خلط لدى المواطن، الذي لا يفرق بين وسيلة إعلامية وموقع مشبوه وبعض الصفحات". وأضافت أن مكافحة الأخبار الزائفة هو عمل موكول للصحفيين الذين يضطلعون بدور رئيسي في تنقية المشهد كاملا من الأخبار الزائفة والتحري في ما ينشر في وسائل الإعلام، ولا يمكن ولا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم استغلال هذه الظاهرة مدخلا أو ذريعة لسن قوانين تحد من حرية التعبير.وأشارت، في هذا السياق، إلى تعدد المبادرات المتعلقة بالتحري، من بينها مبادرات خاصة مثل مبادرة موقع "نواة" و"بيزنس نيوز" ومنصة "فالصو"، التي تتحرى حول الأخبار الكاذبة على صفحات التواصل الاجتماعي ، وتجربة "الهايكا" مع مؤسسات الإعلام العمومي في 2019 ، وآخرها منصة "تونس تتحرى" ، التي ستعلن النقابة غدا الاثنين 7 جوان عن الإطلاق الرسمي لموقعها على الانترنات.وبينت، في المقابل، أن هذه المبادرات، وإن كانت عملا جيدا، تظل غير كافية للتصدي لموجة الأخبار الكاذبة، مشيرة إلى أن الأمر يتطلب وجود مسار كامل لدعم صحافة الجودة، ويقتضي إصلاحا شاملا للإعلام، يتضمن التركيز على أهمية التوقي من الأخبار الزائفة، ودعم التكوين في مجال التثبت من صحة الأخبار ومقاطع الفيديو والصور في المرحلة القادمة. .

وشددت على ضرورة تحسيس المواطن وتوعيته بأن مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تكون مصادر للمعلومة وللخبر، وأنه يجب الرجوع لوسائل الإعلام التي تحظى بمصداقية. 

من ناحيته، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، النوري اللجمي، "إن الأخبار الزائفة، ومع الأسف تسربت إلى بعض وسائل الإعلام التقليدية في العالم وليس في تونس فقط، ما ألحق الضرر بمصداقية الإعلام"، مؤكدا أن "الصحفي المحترف مطالب بالتحري حول الأخبار والتثبت من صحتها لاسترجاع مصداقيته، وربط علاقة ثقة مع المتقبل من القراء والمشاهدين".وأضاف اللجمي في تصريح ل"وات"، أن الهايكا، وفي إطار متابعة برنامجها للتثبت من الأخبار الزائفة الذي انطلق في 2019 خلال فترة الانتخابات، ستصدر في أفق أسبوعين دليلا للتحقق من الأخبار الزائفة، مذكرا بأن الهيئة تعاونت ضمن مشروعها مع مؤسسات الإعلام العمومي بدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية، وقدمت العديد من برامج التكوين لفائدة الصحفيين في هذا المجال.واعتبر، من جهة أخرى، أن تعدد المبادرات يمثل مؤشرا جيدا، لكنه يفرض التنسيق فيما بينها لضمان نجاعة أكبر على عملية التحري، لتكريس مصداقية المهنة وديمومتها والحفاظ عليها من محاذير العزلة، والحيلولة دون توجه المواطنين لوسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار.

مكافحة الأخبار الزائفة لا يمكن أن يكون مدخلا للحد من حرية التعبيروقال اللجمي إن العديد من الدول تحاول وضع إطار قانوني لتحميل المسؤولية للشركات العالمية، مثل "فايسبوك" في انتشار الأخبار الزائفة، غير أن طرح مسألة التشريع تخلق إشكالا كبيرا يتعلق بحرية التعبير، مشددا على "ضرورة تناول الجانب التشريعي بحذر شديد، حتى لا يكون القانون مدخلا لقمع الحريات"، مبينا أنه "هناك دول تستغل مسألة الحد من الأخبار الزائفة للتقليص في حرية التعبير عبر الاعتقالات والسجن".

أما الصادق الحمامي، الأكاديمي والباحث في الميديا، وعضو مجلس الصحافة، فقد بين أنه "لا يوجد في العالم قانون يتعلق مباشرة بنشر الأخبار الزائفة"، وأن "بعض الدول الديمقراطية، وعددها قليل، مثل فرنسا، وضعت قانونا لمحاربة الأخبار الكاذبة في فترة الانتخابات، ويتضمن شروطا كثيرة ومدققة، حتى لا تؤدي محاربة الأخبار الزائفة، إلى الحد من حرية التعبير". وقال في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، إن "ظاهرة انتشار الأخبار الكاذبة لا تخص تونس فقط"، لافتا إلى أن ما تتيحه منصات الميديا الاجتماعية من حرية للتعبير، وما يتسبب فيه السياق الديمقراطي من صراعات واستقطاب أيديولوجي وسياسي، تعد من الأسباب وراء خلق الأخبار الكاذبة".

واعتبر أن المبادرات المتعلقة بالتحري في الأخبار الزائفة لا تكفي، لأن ثقافة التحري في الأوساط المهنية الصحفية ليست قيمة مهنية راسخة بالقدر الكافي، وفق تقديره، "وهذا نتيجة عقود من ممارسة الصحافة باعتبارها نقلا" ، مؤكدا ضرورة نشر الثقافة الرقمية لدى المواطن حتى يكون واعيا بضرورة استقاء المعلومة من وسائل الإعلام الجادة، وهو ما يفرض أن يكون للمواطن ثقة في وسائل الإعلام. وتابع يقول " "للأسف، جزء من  المواطنين اليوم حاقدون على وسائل الإعلام"، حسب تعبيره. .

وأوضح أن وسائل الإعلام التي تقع في فخ الأخبار الزائفة تخضع للقوانين الصحفية، من ذلك أن نشر الأخبار الزائفة مجرم بمقتضى الفصل 54 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة