01/11/2022

أيام قرطاج السينمائية 2022 : شريط "تحت الشجرة" لأريج السحيري: الواقع التونسي دون تنميق

كانت فترة نصف يوم كافية للمخرجة الشابة أريج السحيري لإنهاء تصوير فيلمها "تحت الشجرة"، وهو روائي وثائقي طويل مدته 92 دقيقة كان مرآة لواقع طبقة المفقّرين وطموحاتهم وأحلامهم.

وتمّ تقديم هذا الفيلم للمرّة الأولى في تونس ضمن الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية (29 أكتوبر - 5 نوفمبر 2022) ضمن قسم المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، وتشارك في بطولته مجموعة من الأشخاص تظهر للمرة الأولى أمام عدسة الكاميرا هم فداء فضيلي وعبد الحق مرابطي وأماني فضيلي وفاتن فضيلي وفادي بن عاشور وفراس عمري وغيث منداسي وهنية بن الهادي وليلى وهابي وسمر سيفي.

وتدور أحداث هذا الفيلم، المرشح للسينما التونسية في جوائز الأوسكار، خلال يوم واحد أثناء موسم جني التين، حيث يعمل مراهقون مع العمّال الأكبر سنًا، ويسرق أبناء الجيلين من الزمن وقتًا معًا يسترجعون فيه ذكريات الحب المفقود ويتشاركون الأحلام.

الصدق في الأداء

ويُلفت انتباه المتابع للفيلم أن أبطال العمل هم الشخصيات أنفسها في الواقع، فكان الأداء تلقائيا وعفويا واتسم بالصدق وعبّر عن تطلعاتهم ونظراتهم إلى العالم، وتفاعلاتهم مع بيئتهم ومع وطنهم، كما كشف عن أحلامهم الصغيرة وطموحاتهم نحو عالم أفضل وأجمل. وهذه الميزة الفنية الكبرى للفيلم.

أما الخاصية الثانية المميزة لهذا الفيلم، فتتمثل في عدم إدراج أي مؤثرات بصرية أو صوتية أو موسيقية، وهذا ربما اختيار مقصود وموجه من المخرجة لنقل الواقع كما هو دون تنميق أو تشويه، لينسجم مع تلقائية الشخصيات وعفويتها.

 "تحت الشجرة": سجن للكادحات

يُستهلُ الفيلم بمشهد يُخبر المتلقي بأن التوقيت هو ساعات الفجر الأولى وأن المكان هو منطقة ريفية، ثم تقترب عدسة الكاميرا لتُبرز الشخصية الأولى في الفيلم، وهي فتاة تسلك دربا وعرا في جنح الظلام لتلتحق بعملها في إحدى ضيعات التين، فتُسمَع أصوات خطواتها وهي تدوس بحذائها على الحصى، وكأنها تنبئ المتلقي بما سيأتي من أحداث موجعة.

"فداء" هي فتاة لم تتجاوز بعد سن الثامنة عشرة تغطي رأسها بوشاح المرأة التونسية الريفية، تمتطي رفقة عدد من الفتيات والنساء الصندوق الخلفي لشاحنة خفيفة تقلّهم إلى ضيعة التين في أحد أرياف منطقة كسرى التابعة لولاية سليانة (الشمال الغربي للبلاد)، وهذا المشهد يُعيد للأذهان وقائع صادمة وعدة مآسي عميقة لحوادث متكرّرة تعرضت إليها العاملات في القطاع الفلاحي، ويثير مجموعة من التساؤلات عن مدى استمرار هذا الوضع غير الإنساني؟ لكن في الآن ذاته هو يفضح الطبقة السياسية ووعودها الزائفة في إعطاء حقوق المرأة وتحسين ظروف نقل العاملات في هذا القطاع.

بعد هذه اللقطات الافتتاحية، تدور بقية أحداث الفيلم في ضيعة التين. وتُغيّب المخرجة المشاهد العامة لتقتصر على المشاهد القريبة واللقطات القريبة جدا لتركّز على الجانب النفسي والباطني للشخصيات بما يتلاءم وطبيعة الحوار العفوي والعلاقات بينها. وقد حوّلت المخرجة هذا المكان المفتوح بين أحضان الطبيعة إلى ما يشبه السجن بعد أن اقتصرت على المشاهد تحت أشجار التين، حيث تقضي العاملات "سجنها" لساعات طويلة من النهار في جمع محصول التين بأجور زهيدة جدا، إلى جانب الاضطهاد في العمل والاستعباد وغياب مقومات السلامة، فضلا عن تعرض بعضهن للتحرش الجنسي من رئيس العمل.

ونجحت أريج السحيري في جعل المتفرج يتعاطف مع العاملات الكادحات، رغم أن مِنهنّ من تحمل أفكارا لا تنسجم مع حرية المرأة، كما يتعاطف المتفرج حتى مع العاملين من الذكور، رغم إقدام أحدهم على السرقة، لأن القناعة تظلّ راسخة بأنهم جميعا ضحايا للدولة وللطبقة السياسية التي تستغلّ ظروفهم المزرية في الحملات الدعائية لتحقيق مكاسب انتخابية أو للمزايدة السياسية. ولكن الفيلم أيضا لا يخلو من عديد المواقف والأفكار المضيئة التي تجعل من التغيير ممكنا في كل وقت وكل مكان ما دامت العقول نيّرة.

ورغم الأوجاع وقساوة واقع الحياة والعمل في ضيعة التين، التي تعتبر محاكاة لواقع الحياة في عديد الأرياف والقرى التونسية، مازالت العاملات الكادحات يرسمن بسمة التشبث بالحياة على وجوههنّ، فهاهي الزغاريد تتعالى مع تعالي الأغاني والأهازيج والتصفيق، وهنّ عائدات إلى بيوتهنّ ممتطيات الصندوق الخلفي للشاحنة الخفيفة غير عابئات بالأخطار، بعد يوم شاقّ من العمل يتكرّر باستمرار، على أمل التغيير المنشود.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة