03/11/2021

توزر: لؤلؤة الصحراء زخم من الموروث الجريدي يأبى النسيان

وكالة تونس إفريقيا للأنباء

نخيل و صحاري ، عيون تنبع من تحت الكثبان الرملية ومن الصخور الحجرية ، متاحف ومعالم ضاربة في عمق التاريخ ، أنهج قديمة و تقاليد عريقة ، منازل بواجهات زينت "بالأجر الأصفر" ... هذه هي ولاية توزر.

فعلى تخوم الصحراء المترامية جنوب البلاد التونسية و بين أهم الواحات الأكثر شهرة في العالم , تتربع "لؤلؤة الصحراء" أو "توزروس " كما سماها الرومان ، أو "مدينة الأحلام" ، تلك المدينة التي ترفض أن يزول زخم تاريخها أو يندثر فتحمي كنوز ماضيها وتقدمها في أبهى حلة للزائرين.

"حي أولاد الهادف" , ثاني أقدم حي في توزر، هو مجموعة من الأنهج الضيقة ، تتصدر مداخلها أقواس على شاكلة المعمار الروماني، كلما توغلت أكثر داخله يشدك الحنين إلى الماضي ويفوح عبق التاريخ القديم من أبواب الحي وجدرانه وتتراءى لك أشباح السكان الأوّل اللذين شيدوا هذه التحف .

الفنانة التشكيلية ,روضة بريبش تحدثت في لقاء مع وكالة تونس إفريقيا للانباء، عن حي أولاد الهادف الذي تأسس في القرن 16 وقالت " يتميز هذا الحي بخصوصية معمارية تقليدية متوارثة عبر الأجيال، فكل الجدران مرصفة بقطع من الأجر المحلي المصنوع بالأفران التقليدية تجعل كل البيوت جميلة ومميزة والسكان مستمتعين بخاصيته الفريدة إذ يساعد هذا الأجر الأصفر على تبريد منازلهم صيفا و تدفئتها شتاء.

وأضافت بريبش ، "ثراء كنوز توزر لا ينحصر في المعالم التاريخية والمنازل الفريدة، بل لتوزر تراثا لاماديا قديما متجددا يتجلى في عادات أهلها وتقاليدهم "

فنساء توزر حريصات على المحافظة على عادات جداتهن من خلال تحضير "عولة" الكسكسي من القمح و الوسوسة (شربة القمح) و" البركوكش" و" السفة "(نوع من الكسكسي الخشين بشطة الجمل) ، هذه العولة هي المكون الرئيسي لعدة أكلات تقليدية بالاضافة طبعا لأكلة "المطبقة" التي تتفنن في طبخها نسوة توزر.

حفلات الأعراس مميزة أيضا بولايتنا باللباس التقليدي الذي ترتديه العروس مثل جبة "الفتول" أي "لباس الحنة عند العروس " وبموكب "الجحفة" تزف عروس توزر، وسط رفيقاتها وعائلتها وأقاربها بعد أن تزين باللباس التقليدي الخاص بهذه المناسبة، ويكون الجمل، سفينة الصحراء، في انتظارها لتكربه وتدق الطبول وينفخ في المزامير ويحيط بموكب العروس الفرسان على الأحصنة ويبدأ الاحتفال

في ركن من حي أولاد الهادف، يجذبك باب مهترئ لا تستطيع تمييز لونه نقشت أعلاه كلمتي " متحف "دار توزوروس", تدخل فتنبهر ب"مطمور" من الزرابي العتيقة و الأواني الفخارية و الخشبية و الأوراق الحريرية والحلي الفضية المرصع بالمرجان، قطع ذات قيمة تاريخية ومعنوية تم تجميعها من مختلف الولايات فكانت متحف ووجهة للزائرين عشاق التراث.

صاحب المتحف , محمد سعيد غادة برصانة شيخ سبعيني قال :"قمت بتجميع هذه القطع من مختلف ولايات الجمهورية التونسية على امتداد حوالي 15 سنة.

وتبادلت مع السكان من عدة مناطق الأواني القديمة إلى أن أصبح متحفي مكتملا و قبلة للزائرين".

وتابع "يتكون المتحف من كل ما هو قديم على غرار القصعة والحمارة ومهراس اللوح و المرفع و كل الأواني التي كانت تستعمل قديما، كما يوجد عدد من الأواني و الزرابي ذات الأصول التوزرية و أبواب صنعت من خشب"النخلة" الذي وضع في شط الجريد لمدة سنة وهو خشب رفيع تشبع جيدا بالملح ليحافظ على جودة ويصمد على مر السنين ".

و ذكر أن كل البيوت في توزر تحتوي على قطع من موروث أجيال كالزربية وخشب النخيل التوزري بأشكاله المتنوعة .

و ختم حديثه و الفخر يرتسم على ملامح وجهه، واصفا سكان توزر بــ"أهل الجريد أهل التقى و النقى و العلم و الكرم" .

وقيل أيضا في وصف توزر " زُر توزر إن شئت رؤية جنة، تجري بها من تحتك الأنهار" ورسمت على جدران المدينة في تباه لافت أبيات للشاعر "أبي القاسم الشابي" جعلت ذكراه حاضرة بشكل مكثف، في شوارعها وأقواسها .

هنا ، لا صوت يعلو ، هدوء وسكينة فإذا بسطت الشمس أشعتها فوق

الجدران المنمقة بقطع الأجر الأصفر تستقبلك ذراعيها لتدعوك للترحال حتى تكتشف أسرارها المختفية بين جدرانها و خفايا أركانها .

قال ممثل المعهد الوطني للتراث بولاية توزر، مراد الشتوي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للانباء إن "تاريخ توزر يعود إلى العهد الروماني حيث شهدت ربوع الجريد استيطانا رومانيا بقي حاضرا من خلال المواقع الأثرية المنتشرة في أرجاء الولاية , ولعل أعرقها حي "بلا د الحضارة" الذي بني على أنقاض كنيسة وهو يعتبر منارة إسلامية تخرج منها العديد من العلماء كابن شباط و أبو الفضل النحوي و الشقراطي.

وأشار إلى أن الفترة المعاصرة شملت عديد المعالم منها ما هو مسجل كمحطة القطار التي شيدت سنة 1912 و نزل "الواحة الكبير" الذي بني سنة 1922 أو كما يحلو للبعض تسميته "نزل الترنزات" و سيحتفل هذا النزل في الأيام القليلة القادمة بمرور 100 سنة على بنائه ..

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة