تطاوين-انتخابات محلية: تنمية اقتصادية محدودة امام توفر ثروات طبيعية هائلة تنتظر الاستثمار وتوفير الشغل لأبناء الجهة
تتميز ولاية تطاوين بشساعة مساحتها التي تقارب 4 مليون هكتار، ما يعادل حوالي ربع مساحة البلاد، وانفتاحها على حدود دولية من الجهتين (الجزائر وليبيا)، فضلا على ما تزخر به من خيرات طبيعية، منها ما يجرى استغلاله والاستفادة منه، ومنها ما يعتبر مخزونا مهما لمتطلبات الحاضر والمستقبل.
ورغم ان الصحراء تغطي حوالي ثلثي مساحة الولاية غير اهلة بالسكان، فإنها تزخر بحقول النفط المنتشرة شرقا وغربا، فولاية تطاوين من اهم الولايات المنتجة للطاقة على المستوى الوطني، ذلك ان حقل البرمة المحدث في بداية الستينات، ومن بعده عديد الحقول الاخرى، تنتج النصيب الاوفر من المحروقات على مر العقود الماضية، كما ان الصحراء تعتبر افضل المواقع والفضاءات التي يحبذها هواة سياحة المغامرات من راليات ومخيمات سياحية ذات قيمة عالية.
كم انه من المنتظر ان تكون صحراء الولاية، اكبر مزارع لوحات الطاقة الشمسية، وتحديدا في برج بورقيبة، لإنتاج 200 ميغاوات يوميا، وقد انطلقت اشغال تركيز اعمدة شبكة نقل الكهرباء من برج بورقيبة الى محطة التحويل في مدينة تطاوين على طول 130 كلم، فضلا عن عديد المحطات الاخرى المبرمجة في بني مهيرة وأخرى بالاعتماد على طاقة الرياح على جبال قرية شنني، علما وانه توجد محطة في منطقة القرضاب قرب مدينة تطاوين، تنتج منذ حوالي سنة، 10 ميغاوات يوميا، اي حوالي خمس ما تحتاجه الولاية.
كما تعتبر المواد الانشائية في ولاية تطاوين وخاصة مادة الجبس، ثروة مهمة، استنادا الى الكميات الهائلة التى توفرها، والتي قدرها خبراء بانها ثاني مخزون في العام بمدة استغلال لا تقل عن 400 سنة، فضلا عن نوعيتها الجيدة والقابلة للاستغلالات المتعددة، مما رفع الطلب عليها من عدة بلدان اجنبية في القارات الافريقية والأوروبية والاسياوية.
وبالنسبة للقطاع السياحي، فرغم خصوصيته وتنوعه، إلا ان طاقة الايواء مازالت ضعيفة جدا لا تتعدى 500 سرير، بما فيها السياحة البديلة التي انتشرت بمختلف قرى ومناطق الولاية، وهو ما يمثل عائقا حقيقيا امام تنظيم مختلف التظاهرات والمناسبات الكبرى التي تعكس حقيقة ثراء الجهة وقيمة السياحة فيها، بالإضافة الى ما ستضيفه الحديقة الجيولوجية الاولى في تونس، من حركية وتنوع في المنتوج وفي توظيف التراث العمراني من قصور صحراوية وقرى جبلية.
اما القطاع الفلاحي في ولاية تطاوين، فقد كان وما زال من ابرز الانشطة الاقتصادية المهمة، انطلاقا مما حذقه ابناء الجهة على مر التاريخ من خبرة ودراية بتربية الماشية الانتشارية، لا سيما وان مساحة المراعي الطبيعية في هذه الجهة لا تقل عن مليون ونصف مليون هك في منطقتي الظاهر والوعرة، مما سهل تنمية الثروة الحيوانية سواء منها المجترات الصغرى التي يقارب عددها نصف مليون راس او الابل التي وان تقلص عددها الا ان الاهتمام بها مازال عاليا، كما دخلت حديثا تربية الابقار الحلوب في منطقة كرشاو، حيث ارتفع العدد الى اكثر من 400 راس تنتج زهاء 3 آلاف لتر من الحليب يوميا.
ورغم الجفاف وشح الامطار لعدة مواسم، يتواصل اهتمام الاهالي بغراسة الزياتين في كل مكان بين الشعاب وعلى السهول والفيافي، ليقترب عددها الجملي من مليوني شجرة اغلبها فتية، وذلك ايمانا منهم بان هذه الشجرة قادرة على مقاومة الجفاف والأكثر جدوى، لا سيما في هذه السنوات التي ارتفعت فيها اسعار الزيت.
وبخصوص المساحات المروية التي اتسعت الى اكثر من 7 آلاف هك، فان اغلبها يشكو من الإهمال بسبب نقص مياه الري وخاصة عدم توفر اليد العاملة المتخصصة، حسب ما اكده عدد من اصحاب هذه المساحات، التي تحتاج الى الارشاد والمرافقة الفنية، فضلا عن حاجتها الى الاصلاح العقاري الذي قد يصلح تشتتها، ومحدودية مساحة بعض المقاسم التي لا تزيد مساحتها عن الحديقة العائلية.
ويبقى القطاع الصحي الاضعف في الجهة، من حيث غياب طب الاختصاص والمستشفيات الجهوية، حيث يوجد في الجهة مستشفى جهوي واحد يضم عددا محدودا من اطباء الاختصاص في بعض الاختصاصات، فيما تبقى عدة اختصاصات اخرى استعجالية مفقودة مثل الانعاش والقلب والأشعة والتوليد، اضافة الى سلك الفنيين السامين والاخصائيين في مجالات صحية اخرى.
وهذا الوضع، يجعل من القوافل الطبية التي تزور الجهة باستمرار، سواء بدعوة من الادارة الجهوية للصحة او بمساعدة المجتمع المدني او الصحة العسكرية، بالنسبة لمعتمديتي رمادة وذهيبة، البديل الذي من دونه يمكن ان يحرم المواطن من العلاج التخصصي، ويضطر الى تحمل عناء التنقل ونفقاته الى مناطق بعيدة عنه.
وقد شهدت البنية الاساسية في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا، من ذلك بناء طريق سريعة تربط مدينة تطاوين بالطريق السيارة تونس راس جدير، اضافة الى اتساع شبكة الطرقات، ما يسهل على المستثمرين تنقلهم وخلقهم لمشاريع استثمارية في الجهة، وبالتالي احداث المزيد من مواطن الشغل والتنمية في الجهة.
وبالنسبة للمؤسسات التربوية، في مراحلها الثلاث، وايضا الملاعب الرياضية المعشبة ودور الشباب والثقافة، فقد تواجدت في جميع المعتمديات، باستثناء معتمدية بني مهيرة حديث العهد (2017)، إلا ان الكثير منها غير مستغل بالقدر الكافي لغياب او نقص الاطار اللازم.
وتبقى البطالة في صفوف الشباب وخاصة حاملي الشهادات العليا، من اكبر الاشكالات، فبعد ان كان يطمح الشاب في الاستقرار والمساهمة في تنمية جهته ودفع قطاعاتها الانتاجية الواعدة، رغم غياب الاستثمار الخاص والوحدات التحويلية لمختلف المواد الانشائية والموارد الطبيعية الأخرى اصبح يبحث عن المغادرة، وبالفعل خير حوالي 12 الف شاب وشابة مغادرة الجهة والهجرة السرية الى اوروبا عبر "مراكب الموت" ومسالك محفوفة بالمخاطر، وذلك خلال فترة زمنية وجيزة (منذ بداية العام الجاري)، وهو ما يحد من نسق التنمية ويكون له تأثير اجتماعي سلبي على الأسر يصعب علاجه مستقبلا، وفق ما اكده عالم الاجتماع نجيب بوطالب.