بنزرت-انتخابات محلية: مقومات تنموية هامة وتفاوت جهوي كرس تفاوتا محليا
تزخر ولاية بنزرت، بالكثير من الثروات الطبيعية والمقومات التّنموية في محيطها الجهوي والوطني والإقليمي، باعتبارها تقع في اقصى نقطة شمالية في البلاد التونسية، وذلك اضافة الى كونها باقصى نقطة في القارة الافريقية (منطقة راس انجلة من معتمدية بنزرت الشمالية)، وهي تطل على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط
ومن بين تلك المقومات، التي اكدتها الدراسات الميدانية المنجزة من قبل مصالح المندوبية الجهوية للتنمية، بالتنسيق مع مصالح محلية وجهوية ومركزية، تميزها بحوض مائي هام يمثّل 13 % من الموارد المائية الوطنية، وتقدّر نسبة تعبئة الموارد المائية بالولاية حوالي 80 %، ممّا مكّن من توسيع المساحات السقوية لتبلغ حوالي 25 ألف هكتار، بالإضافة إلى 99 ألف هكتار من المساحات الغابية.
كما تتسم بمساهمة هامة في الإنتاج الوطني الفلاحي (45 % من القنارية و20 % من البقول الجافة و17 % من البطاطا و15% من اللحوم الحمراء و12 % من الألبان)، وتمثل منطقة مركزية لأنشطة الصيد البحري (حوالي 6200 طن من السمك سنويا) وتربية الأحياء المائية، مع امتلاكها لقطب صناعي هام يحتوي على وحدات صناعية وطنية (الفولاذ، الاسمنت، تكرير النفط، تكرير الزيوت).
وتحتكم ولاية بنزرت على، 244 مؤسسة صناعية من فئة 10 مواطن شغـل فأكثر (توفر حوالي 49 ألف موطن شغل) منها 156 مصدّرة كليّا، و10 مناطق صناعية على مساحة 203 هكتارات، وفضاء للأنشطة الاقتصادية يمسح 81 هكتارا، وقطب تنموي يضم القطب التكنولوجي للصناعات الغذائية بعمادة منزل عبد الرحمان التابعة لمعتمدية منزل جميل (فضاء إنتاج على مساحة 45 هكتارا)، ومنطقة صناعية متعددة الاختصاصات بعمادة العزيب بذات المعتمدية على مساحة 66 هكتارا، بالإضافة الى محضنة مؤسسات بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بمنزل عبد الرحمان ايضا.
وهي تضم ايضا نواة سياحية تشمل 19 وحدة فندقية (3023 سريرا ما يمثّل 1.2 % من طاقة الإيواء الوطنية)، ومخزونا طبيعيا للأنشطة السياحية الشاطئية (200 كلم من السواحل) والبيئية (الحديقة الوطنية بإشكل، غابات سجنان، المحمية البحرية والساحلية بأرخبيل جالطة أو جزيرة جالطة، أقصى نقطة بشمال القارة الإفريقية بمنطقة رأس إنجلة، بحيرات بنزرت وإشكل وغار الملح) والثقافية (11 معلما أثريّا وصناعات تقليدية اشتهرت بها الجهة، منها الفخار البربري بسجنان، وقد تمّ إدراج عنصر المعارف والمهارات المرتبطة بفخار نساء سجنان في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي لليونسكو)
ويؤمن الميناء التجاري سنويّا 20% من الحركة المينائية الوطنية، علاوة على قرب الولاية من مطار تونس قرطاج (60 كلم) ومطار طبرقة(90 كلم) ، وكذلك شبكة متطورة للطرقات من أبرزها الطريق السيارة تونس – بنزرت والطرقات الوطنية 7 و8 و11، وتواجد عدد هام من المنشآت الصحية والتربوية والثقافية والشبابية والرياضية تتمثّل بالخصوص في مستشفى جامعي ومستشفى جهوي و5 مستشفيات محلية و3 مركبات رياضية، وقطب جامعي يحتوي على 8 مؤسسات جامعية بطاقة استيعاب تقدّر بحوالي 11 ألف طالب، و9 مراكز تكوين مهني بطاقة استيعاب تقدّر بحوالي 2124 موطن تكوين تساهم في تلبية حاجيات المؤسسات من الكفاءات والمهارات.
تفاوت جهوي كرس التفاوت المحلي
ومع كل هذه المقومات التنموية والخيرات التى تزخر بها الولاية، وحسب مؤشّر التّنمية الجهوية والمحليّة، تعتبر ولاية بنزرت في وضعيّة تنموية "متوسطة" مع وجود تباينات جهوية ومحليّة حادة بين شرق وغرب الولاية، اذ بينت المعطيات المتوفّرة على مستوى مؤشّر التّنمية الجهوية لسنة 2018 والذي يعتمد مجموعة من المؤشرات في ترتيب الولايات تتعلّق أساسا بجودة الحياة والوضع الاجتماعي والديموغرافي ومؤشر رأس المال البشري وسوق الشغل، أنّ ولاية بنزرت قد تراجعت بنقطة مقارنة بسنة 2015 لتحتل المرتبة العاشرة وطنيّا على مستوى مؤشّر التّنمية.
وهذه الرتبة المتوسطة وطنيّا، لا يمكن أن تخفي التفاوت التّنموي الواضح بين مختلف معتمديات الولاية، حيث تأتي معتمدية منزل جميل في المرتبة الأولى جهويّا و65 وطنيّا، في حين تاتي معتمدية جومين في المرتبة 262 (من جملة 264 معتمدية) على الصعيد الوطني، وفي هذا السياق يمكن توزيع معتمديات الولاية إلى 3 مجموعات حسب مؤشر التّنمية الجهوية، وتضم المجموعة الأولى كلا من معتمديات منزل جميل والعالية وغار الملح وبنزرت الشمالية وراس الجبل وجرزونة، وتحتل المراتب 80 وطنيا ، وتضم المجموعة الثانية معتمديات تينجة ومنزل بورقيبة ومماطر واوتيك وبنزرت الجنوبية ، وتاتي في المراتب بين 100 و160 وطنيا، وتضم المجموعة الثالثة معتمديات غزالة وسجنان وجومين ، وهي تحتل المراتب اكثر من 236 وطنيا .
والملاحظ، وفق مؤشر التنمية الجهوية والمحلية، ان هذا التفاوت الجهوي، كرس أيضا التفاوت المحلي بين العمادات التي تتواجد في الوسط الحضري او البلدي وتلك العمادات التي تتواجد او تتميز بغير ذلك، اذ تشترك مجمل العمادات الواقعة في الوسط غير الحضري بجميع المعتمديات، بضعف تنفيذ مكوّنات برنامج تهيئة المسالك الريفية رغم الأهميّة البالغة التي يكتسيها هذا العنصر على الصعيد الجهوي، حيث اقتصرت المرحلة المنقضية على ضبط قائمة على طول 34 كلم من جملة 160 كلم مبرمجة خلال المخطط التنموي (2016-2020) ولم ينطلق تنفيذ أشغالها سوى سنة 2022.
كما تشكو تلك العمادات من تدهور البنية الأساسية والمرافق العمومية بمحطات النقل، وتواضع أسطول الشركة الجهوية للنقل، الامر الذي مثّل عائقا أمام تلبية عديد الحاجيات بها وتذمّر عموم المواطنين والمتساكنين، وعطل نسق استقطاب الاستثمارات بانواعها بها، بسبب نوعية الخدمات، هذا بالإضافة للإشكاليات العقارية وتشعب الملكية ونقص الى حد غياب التجهيزات الجماعية، مما ساهم في تراجع الخدمات المسداة.
مشاغل مشتركة:
ومن الإشكاليات الهامة التي ربما تشترك فيها العمادات البلدية وغير البلدية بكامل الولاية والتي يبلغ عددها 101 عمادة دون اعتبار عمادة جزيرة جالطة، غير الاهلة بالسكان، هي ضعف تغطية حاجيات الجهة بأطباء الاختصاص والتجهيزات الطبية، بالإضافة إلى عدم إتمام مرحلة التكامل بين القطبين الاستشفائيين ببنزرت ومنزل بورقيبة وبين بقية المؤسسات الاستشفائية، وتواضع نسق إنجاز المشاريع المبرمجة في إطار تأهيل وإدماج الأحياء السكنية، بالإضافة إلى تأخر تنفيذ مكوّنات برنامج الحدّ من التفاوت الجهوي، ومحدودية صيانة مشاريع المسالك الريفية المنجزة، ولاسيما غياب التمثيليات المحلية للمصالح الجهوية، والتمثيليات الجهوية للمصالح المركزية، وذلك بهدف تقريب الخدمات من المواطن على غرار تمثيلية جهوية للوكالة العقارية الصناعية ومكتب التشغيل برأس الجبل ومكاتب البريد ودور الخدمات، دون اعتبار ضعف الرصيد العقاري بالبلديات لإنجاز المشاريع المبرمجة مقابل أهمية العقارات الدولية بالمناطق الحضرية للعمل على توظيفها تنمويا وحمايتها من الإستيلاءات.
كما لا تتوفر أمثلة توجيهية للتهيئة على الصعيدين الجهوي والمحلي، بسبب طول إجراءات مراجعة أمثلة التهيئة العمرانية واقتصارها على تسوية بعض الوضعيات العالقة، بما ساهم في تفشي ظاهرة البناء الفوضوي وبروز عدد هام من الأحياء الشعبية تفتقر لأبسط مقومات البنية الأساسية، وتسبب التّوسع العمراني العشوائي في تطويق المناطق العمرانية الكبرى بالمناطق الفلاحية والغابية .
وضع عقاري متشعب:
تشكو عديد العمادات والمناطق بالجهة من تشعب الوضع العقاري بها والناتج بالأساس عن الأراضي الراجعة بالملكية للمؤسسة العسكرية وخاصة ديوان المساكن العسكرية وأهميّة المناطق الغابية والمناطق الحساسة والهشة، مما يؤثر سلبا على الانتصاب وإنجاز المشاريع العمومية والخاصة، وأيضا تدهور المنظومة البيئية بالعمادات الحضرية والريفية، بسبب تاثيرات منظومات الإنتاج التقليدية على المحيط الطبيعي واخلالها بمبادئ التصرف المستدام للموارد الطبيعية، على غرار التلوّث الكبير لبحيرتي بنزرت وغار الملح وتوسّع المناطق المهدّدة بالانجراف وهشاشة المنظومة الساحليّة والبحريّة والانجراف البحري بشواطئ عمادات سجنان وسيدي مكشرق و المشارقة والكورنيش والمدينة وجرزونة ومرنيصة وسيدي عباس وغار الملح وعوسجة وصونين ورفراف والقرية والماتلين، واختلال توازن المنظومة الغابيّة والبيئية، فضلا عن الإشكاليات المتعلّقة بالتصرّف في النفايات وتصريف المياه المستعملة خاصة بالعمادات الحضرية والريفية.
كما تشكو من محدودية منظومة التأطير وتنمية الموارد البشرية بالمعتمديات والعمادات، اذ بالرغم من تواجد مؤسسات للتعليم العالي ومؤسسات تكوين مختصة، إلاّ أنّ مجالات التكوين واختصاصات التعليم مازالت متواضعة وتشير إلى ضعف انفتاحها على المحيط الاقتصادي بالجهة وعدم ملاءمتها مع متطلبات سوق الشغل، بالإضافة إلى تواضع أساليب ربط نتائج البحث العلمي والتكنولوجي مع أنشطة المؤسسات الاقتصادية التي قد توجد في العمادات وهو ما أثّر سلبا على القدرة التشغيلية وتنمية التكنولوجيات الحديثة والمجالات الجديدة لخلق الثروة.
عمادات غربية معزولة:
ولعل المنطقة الغربية للولاية التي تضم ما تعرف "بثلاثي الفقر" وهي معتمديات سجنان وجومين وغزالة، وأيضا اذا ما اضفنا لها بصفة ودرجة اقل حدة معتمدية بنزرت الجنوبية بعماداتها الـ36 ، تعتبر من المناطق التي تتميز بضعف البنية الأساسية ونقص الخدمات الجماعية وضعف برامج التعهد والصيانة والتجهيز، بالإضافة إلى غياب خارطة تربوية وصحيّة من شأنها أن تمكّن من صياغة نظرة استشرافية في الغرض وأيضا محدودية البرامج الخصوصية الموجّهة للإحاطة بالفئات ذات الاحتياجات الخصوصية.