07/10/2018

المداهمات الإرهابية الليلية تثير مخاوف متساكني الشريط الحدودي

أثارت مداهمة مجموعة إرهابية، مؤخرا، لمسكنيين برأس المجماجمة المتاخمة للحدود الجزائرية والتابعة لعمادة وادي البربر من معتمدية فرنانة ولاية جندوبة وفرار أهلها إلى مناطق مجاورة، والمداهمات المشابهة التي يقوم بها الارهابيون بين الحين والاخر لعدد من قرى الشريط الحدودي، مخاوف عدد من متساكني تلك القرى والعاملين في حضائرها الغابية ورعاتها وتلامذتها الذين يقصدون يوميا مدارسهم بعد ان يقطعوا مسافات طويلة وثنايا معقدة.  

وما يزيد في شعور سكان هذه المناطق بعدم الامان، أن المبلغين فقدوا الثقة في كل مؤسسات الدولة، بعد أن حولهم تبليغهم عن الإرهابيين بحسب اعتقادهم، إلى متهمين بالتعاون معهم. كما أن هؤلاء السكان لا يفهمون ما يواجهونه، أحيانا، من تجاهل من قبل السلطات، رغم الخطر الكبير الذي يتهددهم من ردود الأفعال الانتقامية للإرهابيين والتي قد تصل إلى حد التصفية الجسدية.    

عن هذه المداهمات الليلية تحدث بعض سكان هذه المناطق فقالوا إنها تتزامن عادة مع فترة العشاء كما تم في عملية المداهمة الاخيرة لمسكنين بقرية المجماجمة المتاخمة لجبل الكاف الاشهب، أو مع ساعات الفجر الأولى أي بعد منتصف الليل كما جرى حين داهمت مجموعة ارهابية عددا من العائلات القاطنة بمنطقة وشتاتة والمواجن وعين سلطان وفج حسين بمعتمدية غار الدماء والفزوع والدورة وعبّاسة بمعتمديتي وادي مليز وفرنانة ومنطقة أولاد هلال من معتمدية عين دراهم.  

ويبحث الارهابيون في عمليات المداهمة عن الطعام نتيجة تضييق الخناق عليهم في مخارج ومداخل تلك المناطق الجبلية الوعرة التي يتحصنون بها على غرار "الطبّة الحكلة" و"الفايجة" و"جبل عباسة" و"المواجن" و "حمام وشتاتة " و "فج الكلبة " و" القليع" "والدخايلية" وغيرها من الأماكن الأخرى. والأطعمة المطلوبة منهم تشمل خصوصا "البسيسة" و "الكسكسي" و"المحمصة" و"المقرونة" و"الدقيق "و"الزيت" و"السكر" و"معجون الطماطم" و"البيض"، ويتم اغراء الذين وقعت مداهمتهم بالمال، وترفق تلك الاغراءات عادة بتهديدات في حال اخلّ من تعهد بشراء المؤونة بتعهداته لهم بعد ان يتسلم المال، ويكون المبلغ المالي المسلم عادة أرفع بكثير من قيمة المشتريات.

ويقول من تحدثت معهم  إن لائحة مطالب ومشتريات الارهابيين لا تتضمن اللحم وهو ما يوحي بإمكانية اعتمادهم على صيد بعض الحيوانات البرية المتواجدة بكثرة في تلك المناطق من قبيل البقر الوحشي والارنب والضربان والذئب، فضلا عما تناهى إلى سمعهم من أنهم يعمدون إلى شراء خرفان بأثمان باهضة وصلت حسب ما بلغهم الى الف دينار، ويتم شراؤها عادة من الرعاة الذي يرتادون الجبل، ويا ويل من يشتم من رائحته بانه متعاون مع الامن. وقد عثر، في اواخر السنة الماضية، على أحد حراس الغابات مقتولا في منطقة تعرف ب"عين خميس" وبجانبه حصانه الذي رفض العودة الى حضيرته، ويشتبه الرعاة في هذه المنطقة بأن عملية القتل قام بها إرهابيون بعد ان علموا أنه متعاون مع أعوان الحرس الوطني .  

بعض من تحدثوا لـوكالة تونس إفريقيا للأنباء وطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم قالوا إن المداهمين لبيوتهم لا يتورعون تناول الطعام عندهم، ويحملون البقية عند المغادرة، وأن من يجلس الى مائدة الطعام في احد المنازل عادة ما يكون محميا بواسطة إرهابيين مسلحين آخرين محيطين بالمسكن يتولون مراقبة أي تحرك يمكن ان يهدد سلامتهم، كما أنهم يأمرون عادة أفراد العائلات الخاضعة للمداهمة بعدم استعمال الهاتف الجوال.  

ويروي البعض ممن التاعوا بمداهمات ليلية مختلفة في الزمان والمكان أن الإرهابيين يتعهدون لهم عادة بعدم المساس بحياتهم إلا متى ثبت تعاونهم مع الامن، ويؤكدون لهم أن هدفهم الوحيد هو قتل الأمنيين والعسكريين بهدف تثبيت "شرع الله" في الأرض، وفق قولهم، وان أي عملية قتل او ذبح لا تتم إلا بموجب أمر صادر عن القيادة العامة ومقرها في احدى دول اسيا وتحديدا في روسيا، وفق ما ذكره البعض.  

وعندما يكتشف المداهمون لإحدى العائلات أن احد افرادها يعمل في الامن أو الجيش، مثل ما وقع مع عائلة من معتمدية غار الدماء، لم يجد الإرهابيون أي حرج في أن يطلبوا من والده و والدته أن ينصحوا ابنهم بالاستقالة والالتحاق بهم براتب غير قابل للمقارنة بما يتقاضاة من وزارة الداخلية او الدفاع. وتلقت العائلة في مرحلة لاحقة تهديدا بان مصير ابنها سيكون مثل مئات الأمنيين والعسكريين الذين قتلوا في أماكن اوقات مختلفة في تونس، وهو ما دفعها إلى بيع كل ما تملك ومغادرة المنطقة التي كانت تسكن فيها والالتحاق بمدينة غار الدماء.    

ويرى المتساكنون في المناطق التي تشهد عمليات مداهمة من قبل الارهابيين أن مجرد الابلاغ عن هذه المدهمات بات امرا مخيفا، فالمجموعات الارهابية المتحصنة بجبال قريبة من المتساكنين تتابع الوضع عن كثب، وفق قولهم، ومجرد قدوم سيارة أمنية إلى أحد المنازل يعني أن العائلة بلغت عن عملية مداهمة وأصبحت بذلك، في نظر الإرهابيين متعاونة مع الأمن وهو ما يعرضها إلى خطر التصفية، ويدفعها إلى التفكير في النزوح من تلك المنطقة.  

كما عبر متساكنون عن خشيتهم من أن يتحول المبلغون عن الارهابيين إلى مشتبه بهم في تقديم السند إلى المجموعات الإرهابية أو أن يتعرضوا إلى عناء الذهاب إلى أماكن بعيدة للإدلاء بشهادتهم رغم محدودية امكانياتهم المادية، إذ قد يطلب منهم في بعض الاحيان التحول إلى الادارة العامة للحرس الوطني بالعوينة في تونس العاصمة وهو ما يشكل عبئا كبيرا عليهم.  

ولم يخف عدد من المتساكنين أنهم قرروا النزوح الى المدن المجاورة أو الى تونس الكبرى، وتقوم قرية عديلة المتاخمة لمنطقة فج حسين ومركز الحرس الحدودي المتقدم "الملا " بغار الدماء شاهدا على ذلك إذ هجرها سكانها وأصبحت مساكنها خاوية على غرار مساكن أخرى في فج الغبّارة وحمام وشتاتة والبياضة وأولاد هلال وسوق الجمعة و"احواض القرع".  

يذكر أن تدارس مختلف المشاريع التي يمكن بعثها على الشريط الحدودي بين تونس والجزائر، كانت أحد أهم محاور أول لقاء مشترك لولاة الولايات الحدودية بكلا البلدين، جرى، يوم أمس السبت، بإشراف وزيري داخلية البلدين هشام الفراتي (وزير داخلية تونس) ونور الدين البدوي (وزير داخلية الجزائر) .

وقال الفراتي، في لقاء إعلامي مشترك مع نظيره الجزائري عقب اللقاء، إن من أهداف الاجتماع الأساسية "تثبيت سكان هذه المناطق، والحد من الخصاصة بها". وأفاد الفراتي بأن لقاءا ثنائيا جمعه مع نظيره الجزائري، تم التطرق خلاله الى الجانب الأمني، والبرامج الممكنة للحد من ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة.  

من جانبه، قال وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهئية العمرانية الجزائري "إذا مكننا التنسيق المحكم من رفع التحدي الأمني، عبر التعاون وتبادل المعلومات والخبرات وبلغنا هذه النتائج الإيجابية على هذا الصعيد اليوم، فإنه يمكننا الوصول الى هذا المستوى في مجال تنمية الشريط الحدودي، خاصة في ظل ما يتوفر عليه من طاقات وثروات".  

وبين وزير الداخلية الجزائري، أن " الجزائر التي عانت وحاربت وقاومت بكل قواها ومؤسساتها الدستورية ظاهرة الإرهاب منذ سنوات، ورفعت هذا التحدي بالقضاء على هذه الظاهرة بنسبة كبيرة جدا، تواصل يقظتها وتجنيد كل طاقاتها وتحسيس مواطنينها والعمل مع أشقائها مثل تونس، في مستوى عال من الحيطة وبعزيمة قوية لمواصلة مقاومة هذه الظاهرة التي أصبحت عابرة للحدود".

وقال " لا بطاقة تعريف للارهاب ولا بلد له، وقد أكدت الأحداث أنه يجب على كل الدول والهيئات أن تعمل وتجند طاقاتها وتنسق خبراتها ومعلوماتها للقضاء التدريجي على هذه الظاهرة".  

كما التقى رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، بقصر قرطاج، نور الدين بدوي، وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية الجزائري، ونوّه رئيس الدولة خلال اللقاء بمستوى التعاون الأمني المرموق بين البلدين للتصدّي للإرهاب ولكافة أشكال الجريمة المنظمة.  

وشدّد على أولوية تنمية المناطق الحدودية بين البلدين لضمان الاستقرار لسكان هذه المناطق وتحسين ظروفهم المعيشية وتعزيز اليقظة الأمنية لديهم لمعاضدة جهود الدولتين في مواجهة الإرهاب.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة