الٱن

22/05/2022

السلجم الزيتي في تونس، زراعة تجارية بديلة تهدد التنوع البيولوجي و ثلاث أنشطة فلاحية أساسية

 يطمح مستثمرون محليون في تونس ومروجون لزراعة السلجم الزيتي (كولزا)، خلال السنوات العشر الاخيرة، إلى إقناع السلطات الفلاحية بالترفيع في المساحات المخصصة لزراعة هذا النبات الزيتي وتشجيع الفلاّحين على تداوله، دون الاستناد إلى دراسات بشأن آثاره على التنوّع البيولوجي وعلى بقيّة الزراعات الكبرى ودون معرفة نوعيّة البذور المستعملة والتي تكون عادة محوّرة جينيا وفي أحسن الحالات هجينة.

وبالفعل قفزت المساحات المخصصة لزراعة السلجم الزيتي في تونس من 400 هكتارفقط في 2014 إلى 15000 هكتار سنة 2021. ولكن المستثمرين المدعومين ،خاصة، من المعهد التقني لمهنيي "السّلجم" بفرنسا "تار اينوفيا" ومن الاتحاد الأوروبي، يدفعون نحو الترفيع في هذه المساحات بتعلة أنها ستضمن لتونس تقليص وارداتها من الزيوت النباتية دون التفكير في ما تتطلبه من مدخلات كيميائية قد تؤدي إلى تدهور وتفقير التربة وتلوث المائدة المائية والإضرار بالتنوّع البيئي.

فقد أصر رئيس جمعيّة "من أجل فلاحة مستدامة "أباد"، عبد العزيز بوحجبة، خلال اختتام أشغال الملتقى المغاربي الأوّل للبذور والبروتينيات الزيتية، على ضرورة تخصيص 100 ألف هكتار لزراعة السلجم في تونس في أفق 2030، لتحقيق الاكتفاء الذاتي لتونس من الزيوت النباتية.

وقد انتشرت هذه الزراعة التجارية البديلة في السنوات الاخيرة في ولايات الشمال المنتجة للحبوب والمحاصيل الاستراتيجية الأخرى (البقوليات والأعلاف). وتؤمن ولايات الشمال التونسي مجتمعة ما بين 71 بالمائة و 83 بالمائة من إجمالي المساحات المزروعة حبوبا في البلاد.

وعلى عكس الشعار، الذّي يرفعه المروجون لزراعة السلجم الزيتي وهو "تنمية البذور الزيتية: تحد استراتيجي للسيادة الغذائية"، يرى الخبير في الزراعة المستدامة، عبد الحميد عمامي، أن السلجم رغم منافعه اعتبارا لتوفيره الزيت النباتي للتغذية البشرية عن طريق بذوره ورغم استخدامه لإنتاج الوقود الحيوي واستخدام مخلفات العصر الغنية بالبروتينات كعلف للحيوانات، إلا أن البذور المستخدمة لزراعته غالبا ما تكون محوّرة وراثيا أو هجينة في أحسن الإحتمالات.

وأضاف في السياق ذاته "هذه الزراعة تتطلب توريد البذور سنة بعد أخرى وتوريد الموّاد الكيميائية والسموم، التّي ترافقها مع كل ما ينجر عن ذلك من منتوجات ملوّثة (زيت موجّه للإ ستهلاك البشري وعلف حيواني) يتم ترويجها في السوق المحلية ودعمها بموارد صندوق الدعم".

وحسب الخبير "إذا انتشرت زراعة السلجم بطريقة غير مدروسة قد تساهم في تقليص المساحات المخصصة للحبوب وهو ما يؤدي الى ارتفاع حجم الواردات وازدياد التبعيّة الغذائيّة في وقت تشهد فيه أسعارها ارتفاعا خياليا في الأسواق العالميّة".

كما تمثل هذه الزراعة، حسب عمامي، منافسة مباشرة لزراعة البقوليات مثل الفول والفول المصري والحمص والسلة والحلبة ذات الفوائد المتعددة، فهي تحتوي على البروتينات الضرورية لتغذية الانسان والحيوان علاوة على أنها مخصبة للتربة.

في ظل التغيرات المناخية والجيوستراتيجية، زراعة السلجم التجارية ليست الخيار الامثل

وفي أفق التغيرات المناخية القادمة وضرورة الاستعداد لها، يتساءل الخبير التونسي، هل هذه الزراعات التجارية الثانوية هي أفضل طريقة للتصدي لاثار التغيرات المناخية ولمواجهة ما سيحدث على الصعيد العالمي بخصوص أسعار المواد الاساسية وحاجة بلدان مثل تونس لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها؟

ويرى عمامي أن السلطات الفلاحية إذا اختارت إقحام السلجم في التناوب الثلاثي عوضا عن البقوليات، فسيكون لذلك اثار كبيرة على هذه الزراعات وعلى التربة، مضيفا أن من بين المخاطر البيئية والصحية المرتبطة بهذه الزراعة كثرة المدخلات الكيميائية التي تتطلبها.

"فالسلجم نبات هش يتطلب مدخلات كيميائية عدة لمقاومة الأعشاب بشكل متكرر والتصدي للأمراض والآفات . كما أنه على عكس البقوليات التي تغذي نفسها بنفسها ، يتطلب إمدادا جيدا بالأسمدة الازوتية ومن البديهي أن الاستعمال المكثف للمدخلات الكيميائية يؤدي الى تدهور وموت التربة وتلوث المائدة المائية ويضر بالتنوع البيولوجي"

ويذهب الخبير إلى القول أن الأطراف، التّي تعمل على الدخول إلى سوق المنتجات والخدمات الفلاحيّة والغذائية في تونس، "قد تحقق خرقا عن طريق زراعة السلجم التي ستؤدي الى انهيار وتفكيك منظومة إنتاج الحبوب والبقول المحليّة وفقدان السيادة الغذائية المتآكلة أصلا".

وأشار محمد علي بن تمسك، نقطة الإتصال لإتفاقية الأمم المتحدة حول التنوّع البيولوجي، ومدير الإيكولوجيا والأوساط الطبيعية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء إلى غياب الدراسات حول اثار زراعة السلجم الزيتي في تونس على الوسط البيئي والتنوع البيولوجي.

وقال أنه "من الضروري دراسة جدوى هذه الزراعة واثارها على التنوع البيولوجي والتربة حتى لا يكون الربح الاقتصادي على حساب الاستدامة والتنوع البيولوجي فتربح البلاد اقتصاديا وتخسر إيكولوجيا وتتحمل الاجيال القادمة هده الخسارة".

خطر تلوث جيني

وليس من السهل السيطرة على عملية انتشار نبتة السلجم الزيتي في الطبيعة، لأن عملية تلقيحها تجري من خلال الحشرات القادرة على حمل اللقاح لعديد الكيلومترات. فبذورها صغيرة جدا وهي تنتشر بسهولة وتحتفظ في الآن ذاته بقدرتها على الإنبات طيلة عشرة سنين. ويمكن ان يقع تهجين "السلجم" بسهولة مع مختلف الانواع البرية القريبة (...)، وهو ما ييسر انتشار الفئة المحورة منها في الوسط النباتي الطبيعي.

وكان المعهد التقني لمهنيي "السّلجم" بفرنسا "تار اينوفيا" والاتحاد الأوروبي، قد أطلقا برنامجا لدفع زراعة حوالي 50 ألف هكتار من السلجم (كولزا) في تونس عبر توريد البذور الأوروبية.

ويرمي البرنامج المعروف باسم "المغرب للبذور الزيتية" (في إشارة لمنطقة المغرب العربي)، الذي يستهدف، أيضا، المغرب (زراعة عباد الشمس)، حسب المبادرين به، إلى تحسين آداء زراعة السّلجم في تونس باعتماد البذور الأوروبية والتّرفيع في الإنتاج المحلي من السّلجم ومن ثمّة التّقليص من واردات البذور الزيتية والزيوت النباتية.

ويجري تنفيذ هذا البرنامج في تونس بالتعاون مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من خلال تشريك فاعلين محليين أساسيين، منهم شركة "حبوب قرطاج" والمعهد الوطني للزراعات الكبرى وجمعية "من أجل فلاحة مستدامة" ومصرف الخدمات الفلاحية المتعددة.

ورغم أن المعهد الفرنسي والاتحاد الأوروبي، كانا قد أكدا في بلاغ لهما بمناسبة إطلاق البرنامج، أن البذور التي ستوردها تونس سليمة وليست محورة جينيا، فإن المهندس الفلاحي والخبيرالزراعي، نبيل حمادة، أوصى في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، انذاك، بضرورة الحذر من عدوى المواد المحورة جينيا وما قد تؤدي إليه من "تلوّث جيني" في ما يتعلق بالسّلجم الزيتي.

وأردف "كل شيء يبقى رهين اختيار البذور المزمع توريدها الى تونس (مهجنة او معدّلة جينيا...) وكذلك مراقبة واردات المدخلات التي ترافق الزراعةا".

يذكر أن الاتحاد الأوروبي يطبق تشريعات صارمة في ما يخص الأصناف والبذور المعدلة وراثيا في الفضاء الاوروبي. وتنظم هذه التشريعات تسويق بذور أصناف النباتات الزراعية وأنواع الخضروات وفقا لمعايير متفق عليها وخاضعة لتراخيص عدة.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة