القانون الأساسي المتعلق بالمصالحة الاقتصادية والمالية
10/05/2017

مشروع المصالحة الاقتصادية يعاود تأجيج الصراع بين مناصريه ومعارضيه

أجّج مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، مع عرضه على النقاش على مستوى لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، مرة أخرى المواجهة بين مناصريه ومعارضيه، لتشحذ مختلف الأطراف، الهمم وتعبئ الصفوف وترسم الخطط سواء للإقناع بصواب هذا الخيار أو ببطلانه.

ولعل الإعلان عن تشكيل ائتلاف حزبي معارض لقانون المصالحة والسعي للإعلان عن خطة لإسقاطه، الخميس القادم (11 ماي 2017)، يبرز، حتى الآن، من أقوى ردود فعل الشق المناوئ لمشروع القانون، الذي طرحه رئيس الجمهورية في جويلية 2015

وتتواتر ردود الأفعال في الفترة الأخيرة على النسخة، التي أدرجت عليها جهة المبادرة تعديلات وأرجأت لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب مواصلة النظر فيها، في خضم ما تحفل به السّاحة من أحداث سياسية واقتصادية، استـأثرت باهتمام أكثر المتابعين.

كما عاودت حملة "مانيش مسامح" من جهتها، التحرك معلنة حالة الطوارئ الشعبية ضد مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، داعية كل التونسيين والتونسيات إلى التّجند والالتزام بحالة التّأهب القصوى، بغاية إسقاط مشروع هذا القانون.

وأصدرت 21 منظمة وجمعية، بدورها، بيانا تدعو فيه إلى السحب الفوري والنهائي لمشروع قانون المصالحة، الذي يهدد وفق ذات المصدر، "مسار الانتقال الديمقراطي ومبادئ العدل والإنصاف" معلنة في هذا السياق، دعمها كل التحركات المواطنية السلمية الرافضية للمشروع. وأوضحت هذه المنظمات أنها ستعقد الأيام القليلة القادمة ندوة صحفية لشرح القراءة المعمقة لهذا المشروع في نسخته الجديدة".

وكانت رئاسة الجمهورية، قدمت تعديلات على النسخة المطروحة من هذا القانون، الذي بررت طرحه بالرغبة في إعادة مناخ الثقة في البلاد لدفع الاستثمار وتحريك دواليب الإدارة التي ترزح تحت وطأة الخوف، بعد استحالة التوافق بشأنه بين مختلف الفرقاء السياسيين وحتى المجتمع المدني متكتمة، آن ذاك، عن التصريح بأي تفاصيل حولها، لإنارة الرأي العام والمهتمين.

ولم تجد النسخة المعدلة من مشروع القانون المذكور، طريقها إلى كل النواب إبان عرضه على لجنة التشريع العام، إذ عبر نواب من المعارضة "عن استيائهم من عدم تقديم النسخة الجديدة من مشروع القانون لمكتب مجلس نواب الشعب وتقديمها إلى بعض النواب دون آخرين". وأكدوا، في ذات السياق، أنّ مشروع القانون لا "يضيف شيئا للوضع الاقتصادي في تونس وأنّه يمثل فرصة لمن نهبوا المال العام وأموال الدولة للإفلات من العقاب".

في المقابل، دافع مدير الديوان الرئاسي، سليم العزابي، عن جدوى القانون قائلا : "إنّ قانون المصالحة الاقتصادية والمالية من شأنه أن يحّرر الإدارة التونسية من الخوف الذي تعيشه بسبب خشية المسؤولين من التوقيع على الوثائق خوفا من المحاسبة"، مستشهدا في هذا الصدد، بمعطى لمجمع الوظيفة العمومية، يظهر "أنّ مردوديّة الإدارة التونسية تراجعت بحوالي 50 بالمائة منذ سنة 2010".

وكان مركز اليقظة والذكاء الاقتصادي التابع للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات، أشار في مذكرة له حول " الانعكاسات الاقتصادية المحتملة لقانون المصالحة الاقتصادية والمالية: دلالات بعض المرجعيات الدولية"، أنّ هذا القانون يجب أن يضبط هدفا لا يقل عن بلوغ 8ر1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل 1500 مليون دينار (بين عائدات مباشرة للعفو والمصالحة وغير مباشرة متصل بالتأثيرات المنتظرة على الاستثمار الخاص ومناخ الأعمال بصفة عامة)، أي ما يعادل نفس النسبة المفقودة من الناتج الداخلي الخام بسبب الحرب على الإرهاب.

واعتبرت المذكرة أن "مثل هذا المبلغ وحده كفيل بتبديد الاختلافات وإقناع المترددين بنجاعة تخصيص الموارد المسترجعة لصناديق التنمية الجهوية".

ولفت ذات المصدر، إلى ضرورة إقرار عفو جبائي وديواني إلى جانب مشروع القانون المذكور مع إعداد برنامج إجراءات في إطار الاصطلاحات الجبائية والديوانية المستقبلية.

ورأى عضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، محمد العيّادي، في تصريح لـ"وات"، أن النسخة الأخيرة من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية لم تتضمن تغييرا وان أسباب الاعتراض على النسخة التي سبقتها "ما زالت قائمة".

وابرز أن العدالة الانتقالية بمفهومها الدولي والوطني تقوم على ضرورة اتّباع جملة من الآليّات والوسائل المضبوطة مسبقا والتي تهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان وكشف حقيقتها ومساءلة المسؤولين عنها وردّ الاعتبار للضحايا بغاية إصلاح مؤسسات الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية. وبيّن أنّ كل تدخل تشريعي يمسّ من هذا المفهوم (المضبوط دوليا ووطنيا)، أو يكّرس تراجعا عن الالتزام الدستوري المحمول على الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية، يعد تحريفا وحيادا عن مفهوم العدالة الانتقالية، وبالتالي خرقا للدستور.

وقال العيّادي، إنه "ولئن يجوز للمشرع الوطني أن يضع تصورا جديدا، لمعالجة انتهاكات الماضي فانه لا يمكن، توقيّا من الوقوع في المحظور الدستوري، أن يحيد في ذلك عن جوهر وكنه منظومة العدالة الانتقالية أو يفرغها من محتواها في شكل من الأشكال.

وأردف "لذا فإن إصدار مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، ولئن كان متاحا وجائزا من حيث المبدإ، فهو لا يمكن أن يصدر إلا في إطار وضع تصوّر جديد لصيغ أو أشكال تطبيق منظومة العدالة الانتقالية القائمة، كلما بانت له نقائص أو نقاط ضعف أو عدم تلاؤم مع الواقع الجديد أو برزت ضرورة ملحة لإدخال بعض التّنقيحات والتعديلات التي تقتضيها الظروف المتغيرة. ويحتم ذلك على المشروع أن يعتمد منهجية دقيقة تقوم على القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلّق بالعدالة الانتقالية بعد أن يثبت فشل المنظومة القائمة في تحقيق المصالحة الوطنية وفي تصفية تركة الانتهاكات المسجلة في المجال الاقتصادي والمالي وبعد أن يقدّم الحجّة والدّليل على عدم نجاعة آليّة التحكيم والمصالحة (مثال: معالجة 4 ملفات حتى الآن)

وخلص الى القول: "حتى لا يكون قانون المصالحة الاقتصادية مخالفا للدستور يجب أن تتوفر فيه بعض الشروط الموضوعية لعل أهمها بروز ضرورة واقعية مبرّرة بمصلحة وطنية تضاهي المصلحة والأهداف السامية والعدالة الانتقالية القائمة من ذلك تجاوز سلبيات معالجة هذه الأخيرة للجزء المتعلق بالانتهاكات المالية بطريقة التحكيم والمصالحة وبيان أوجه فشل أو عدم نجاعة هذه الآلية في تحقيق الأهداف المرجوة أو تسببها في تعطيل الوصول إلى المصالحة الوطنية المنشودة.

وتحدّث العيّادي عن الشرط الثاني معتبرا أنّه يقتضي أن تكون الصيغة الجديدة المقترحة لمعالجة انتهاكات الفساد المالي متضمنة لآليات لا تقل موضوعيا وإجرائيا عن تلك الآليات التي توفرها منظومة العدالة الانتقالية القائمة ومن أهمها كشف الحقيقة والمحاسبة ورد الاعتبار، باعتبارها الأهداف السّامية المراد التوصل إليها في كلّ الحالات.

وإذا ألقينا نظرة على الصيغة المعدلة لقانون المصالحة الاقتصادية، نجدها لا تتوفر بالقدر الكافي على وسائل واليات أكثر نجاعة من تلك المضمنة بقانون العدالة الانتقالية وهي لا تضمن تحقيق نفس الأهداف خاصّة في الجانب المتعلق بتكريس الحق في كشف الحقيقة والمساءلة والمحاسبة، وعلى العكس من ذلك، فإنها تضمن عفوا صريحا ومباشرا عن بعض الأشخاص الذين ثبت تورطهم في الفساد وتعفيهم من واجب الإفصاح عن مسؤولياتهم وتقديم الاعتذار العلني والصريح بعنوانها.

كما أنّ مقتضيات مشروع القانون، وفق قوله، لا تضمن في ما يتعلق بتركيز "اللجنة" والإجراءات المعتمدة أمامها الشفافية والاستقلالية المطلوبتين لحصول العلم لدى العموم بالملفات التي ستكون محورا لتدخلها او الماما بنتائج أعمالها بصفة لاحقة.

من جهته، قال الخبير المحاسب، أنيس الوهابي، "إنه ليس بإمكان أيّ كان معارضة المصالحة في المطلق. بيد أنّ أصحاب هذه المبادرة يجدون صعوبة في إقناعنا بغايات مشروع هذا القانون ومسار تطبيق هذه المصالحة".

وأردف "أنه إذا كان هذا المشروع يسعى إلى "استعادة" بعض المئات من الموظفين وأشباههم، ممن يعاقبهم الفصل 97 من المجلة الجزائية، الذين لم يحققوا فائدة لأنفسهم، بل وجدوا أنفسهم مجبرين على الإذعان لرغبات النظام، فلماذا أصبح هذا القانون "كيسا لحشر" كل الإجراءات التي تستعمل كل المصطلحات الجزائية دون الرجوع إلى المجلة الجزائية؟ وهو ما يبرهن عن عدم حرفية من صاغوه.

وشدد على انه "بدل إرساء مناخ الإفلات من العقاب، أليس من الحكمة التوجه إلى تحسين مناخ الأعمال عبر عدم تجريم تجاوزات التسيير".

وكانت رئيس هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين أشارت خلال ورشة تفكير حول "مشروع القانون الأساسي للمصالحة الاقتصادية والمالية" إلى "عدم وجود إرادة لاسترجاع الدولة لأموالها عبر مسار التحكيم والمصالحة" الذي تقوم به إحدى اللجان التابعة لها وهي لجنة التحكيم والمصالحة"

ولفتت إلى أن لجنة التحكيم والمصالحة تلقت خلال الفترة المتراوحة بين جوان وديسمبر 2016، ما يعادل 685 ملفا تتعلق بطلبات للصلح مع الدولة لكن مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة، وهي محامي الدولة، رفضت قبول اي ملف الى حدود شهر ديسمبر 2016، تاريخ تعيين مكلف عام جديد لنزاعات الدولة..."

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة