06/04/2019

في الذكرى 19 لرحيله...الزعيم بورقيبة "الغائب الحاضر"

تمر اليوم السبت 6 أفريل 2019، 19 سنة على وفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، قائد الحركة الوطنية وأحد رواد الحركة الإصلاحية وأول رئيس للجمهورية التونسية.  

ورغم مرور 19 سنة على وفاته وأكثر من ربع قرن على انتهاء حكمه، مازال الحديث عن بورقيبة وعن "البورقيبية" متواصلا، ذلك أن الإرث البورقيبي بإيجابياته وسلبياته يعتبر جزءا أساسيا من تاريخ تونس المستقلة، وهو ما قد يفسر "الحنين" إلى "البورقيبية" أو رفضها، في ظل التسارع التاريخي الذي شهدته تونس منذ ثورة 14 جانفي 2011 .  

وما يتفق عليه مؤرخون وملاحظون والعديد من الحساسيات السياسية، حتى التي اختلفت سابقا مع فكر بورقيبة وسياساته، أن الإرث البورقيبي هو تراث مشترك بين كل التونسيين باعتبار أنه كان قائدا للحركة الوطنية ومن بناة الدولة الحديثة، وهو ما أبرزه أستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات).  

يضيف الحناشي في هذا الاتجاه قوله "من المفروض أن يكون هذا الإرث مشتركا ولا يمكن لأي طرف احتكاره .. حتى أن بعض الأطراف التي أنكرت على بورقيبة انجازاته ولم تترحم عليه تراجعت وأصبحت تؤمن بهذه الانجازات"، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية.  

   - أحزاب دستورية مشتتة "يجمعها بورقيبة" .. رفع لواء فكر أم "تبرّك" سياسي

مثل سقوط نظام بن علي سنة 2011 وحل حزب "التجمع" الحاكم، بداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية في تونس، إذ عادت إلى المشهد أحزاب سياسية كانت مبعدة معتمدة في ذلك على "شرعية ثورية"، في ذات الوقت عمل العديد من رفاق بورقيبة القدامى من "الدستوريين" (نسبة إلى الحزب الحر الدستوري الجديد) وسياسيون "دستوريون وتجمعيون" على إعادة الفكر البورقيبي إلى "وضعه الطبيعي" في المشهد السياسي في تونس.  

واعتبرت مجموعة من الأحزاب السياسية ذات المرجعية "الدستورية" أن من مهامها الرئيسية إعادة الاعتبار للبورقيبية واستكمال مسار "الحركة الإصلاحية"، ولعل أبرزها حزب "نداء تونس"، الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي وأحد الذين عملوا مع بورقيبة، وكذلك حزب "المبادرة" وحزب "الوطن" (سابقا) وحزب "المستقبل" وحزب "مشروع تونس" و"تحيا تونس"(ينسب لرئيس الحكومة يوسف الشاهد)، والحزب الدستوري الحر.    

أغلب هذه الأحزاب أعلنت أنها ترتكز في مشروعها على الفكر البورقيبي والفكر الإصلاحي التونسي، والتصدي لأي مشروع رجعي، وقد اختارت الإعلان عن تأسيسها أو عقد مؤتمراتها في المنستير مسقط رأس الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ويحرص قياديوها على زيارة ضريحه سنويا في ذكرى رحيله.  

هذه الرؤية اعتبر ملاحظون أن فيها عجزا عن صياغة رؤية ومشروع جديد، حيث يرى أستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي، أنها تبين أن الأطراف السياسية التي تتحدث باسم البورقيبية وتقدم نفسها على أنها الوريث الشرعي له وأنها من تحرس انجازات بورقيبة، هي في الواقع عاجزة عن صياغة رؤية جديدة للواقع اليوم، ولا تملك مخيلة سياسية كما كان يتميز بها بورقيبة، الذي كانت له رؤية استشرافية تفتقدها النخبة السياسية المتكئة على تراثه، وفق تعبيره.  

غير أن هذه الأحزاب ترى، وفق ما أكده حزب "المبادرة"، في ذكرى رحيل الزعيم بورقيبة، "أن تونس وفي الظرف الحالي الذي تعيشه وما يتسم به من تداعيات وصعوبات في حاجة ملحّة إلى الاستلهام من الفكر البورقيبي".  

واعتبر أنّ "الإرث البورقيبي سيظلّ نبراسا يهتدي به كل من يسعى إلى الحفاظ على استقلال البلاد وأمنها واستقرارها وتحقيق نموّها وازدهارها على قاعدة وحدة الصفّ ونكران الذات أمام مصلحة تونس العليا".  

الأستاذ الحناشي لا يتفق كثيرا مع ما تذهب إليه هذه الأحزاب، إذ اعتبر أن غايتها الأساسية الوصول إلى السلطة وليس ضمان استمرارية المدرسة البورقيبية بتصورات متجددة تتماشي مع الواقع الذي تعيشه تونس اليوم، أو برؤية مستقبلية لتمتين صرح الدولة الوطنية، أو لتقديم بديل عن الإسلام السياسي، لأن عددا من هذه الأحزاب دخلت في توافقات مع حركة النهضة التي تمثل هذا التوجه السياسي، بحسب تعبيره.  

وقال " يمكن أن تعتمد هذه الأحزاب المنهجية البورقيبية وهذا أمر عادي، ولكن من المفروض أن تطور رؤيتها، لا أن تسوق لشعارات تبتغى منها الظفر بالشرعية البورقيبية، وأن تتنافس من أجل افتكاكها وتواصل في تشتتها وتفككها، لاسيما أن عدد الأحزاب التي تقدم نفسها على أن مرجعيتها بورقيبية في تزايد مستمر".  

من جهته دعا الكاتب والمؤرخ خالد عبيد "كل الذين يحاولون الانتساب إلى بورقيبة أن يكفوا عن هذا الادعاء والمتاجرة باسمه وحشره ما داموا عاجزين أن يكونوا على مقاسه".  

وقال في هذا الخصوص، إن كل من ادعى ونسب نفسه إلى البورقيبية لم يتمكن من أن يرتقي إلى مستوى وعي بورقيبة المبكر بحجم المعاناة التي يعيشها شعبه وحجم النهب الاستعماري لبلده وهو ما جعله يضحي من أجل تحرير الشعب وبناء كيان الدولة.  

وأضاف في ذات السياق أن من يعشق الوقوف على الأطلال لا يمكن أن أن يكون له مستقبل لأن الفعل والانجاز هو مراكمة وليس تموقعا.

  

  • بورقيبة في ذمة التاريخ .. وهو ملك لذاكرة الشعب  

يقول المؤرخ خالد عبيد أن بورقيبة اليوم هو في ذمة التاريخ، وعليه فهو ملك لذاكرة شعب بأكمله، ولا يمكن لأي كان أن يحاول نسب نفسه إليه لأنه لا تجوز، وفق تقديره، المقارنة بين أمثال هؤلاء وبين "عملاق من عمالقة القرن العشرين" وزعيم عايش عصر الزعامات العالمية أمثال "جواهر لال نهرو" و"احمد سوكارنو" و"تيتو" و"جمال عبد الناصر".  

ويسايره في هذا الموقف المعارض البارز، أحمد نجيب الشابي، حيث اعتبر في أحد تصريحاته أن بورقيبة "جزء من التراث التونسي وهو قائد المسيرة التحررية في تونس وباني الدولة الحديثة ومحرر المرأة التونسية، وهو بهذه المقاييس يعتبر جزءا من التراث التونسي المشترك بين كل التونسيين ".  

بدوره اعتبر القيادي في حزب "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، أن البورقيبية إرث يشترك فيه الكثير من التونسيين، وليس للمتكلمين باسمها أية شرعية في احتكار هذا الفكر ولا حتى الالتصاق بهذه الصفة لأنهم التصقوا بطريقة إدارة الحكم ولم يلتصقوا بمكاسب حضارية تشمل كل التونسيين.  

وأضاف أن الكثير من المتحدثين عن بورقيبة اليوم لم تكن لديهم أية علاقة بالزعيم الراحل ولم يزوروه في ما وصفه بـإقامته الجبرية بمدينة المنستير ولم يحضروا حتى جنازته التي حضرها الرئيس السابق المنصف المرزوقي (رئيس حراك تونس الإرادة) الذي كان معارضا له لكنه كان يدرك جيدا قيمة الرجل، وفق قوله.  

ولئن كانت للمؤرخين والسياسيين كتابات وآراء ومواقف مختلفة من الزعيم بورقيبة فإنهم يشهدون له بعديد الانجازات والمكاسب "الثورية" في عصره. فالقراءة الصحيحة لسيرة بورقيبة وتاريخه تبقى مطمحا ومرادا حتى يكون التخطيط للمستقبل سليما وذا جدوى.

ويقول الروائي العربي عبد الرحمان منيف في هذا الخصوص "من يقرأ الماضي بطريقة خاطئة سوف يرى الحاضر والمستقبل بطريقة خاطئة أيضا.

ويضيف قوله "لعل القراءة الخاطئة لسيرة الحبيب بورقيبة أصبحت تهيمن على المجال السياسي في تونس وتتحكم في الكثير من تصورات الحاضر وربما المستقبل"، معتبرا أنها تتراوح بين التبجيل المطلق الذي يرفع لواءه "البورقيبيون الجدد" أو الإزدراء الكلي الذي يبديه الإسلاميون لـ"علمانية" بورقيبة، رغم المجاملات السياسية التي تَنفَلت بين الحين والآخر احتراما لمستلزمات التوافق.

ويتابع منيف "تكمن عظمة بورقيبة في حضوره التاريخي الفاعل وليس في التمثّلات العذبة التي يرسمها عنه مُريدوه"، وقال إن الزعيم كان مهووسا بفكرة "الوطن التونسي" معتقدا إلى حد كبير أنه "يوغرطة المنتصر"، الذي سيصنع تاريخا جديدا لبلاده متصلا بالحركة الإصلاحية التنويرية وبمنجزات الحداثة الأوروبية، ولم يكن ينظر لنفسه أقل من كبار العالم في ذلك الوقت مثل شارل ديغول وغاندي وسوكارنو وتيتو.

  

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة