08/03/2019

افتتاح الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية تحت عنوان "قضايا البشرة السوداء في الرواية"

افتتحت الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية تحت عنوان "قضايا البشرة السوداء في الرواية" يوم الخميس 07 مارس 2019 في الثانية ظهرا بمسرح المبدعين الشبان بمدينة الثقافة.

كان الافتتاح مع كلمة لمدير بيت الرواية الروائي كمال الرياحي الذي رحّب بضيوف الملتقى وعلى رأسهم ضيف الشرف الروائي اللبناني إلياس خوري، وقال في كلمته: "مرحبا بكم في مدينة الثقافة، في هذا المسرح الجميل وفي بيت الرواية. لم تكتمل السّنة بعد لنحتفي بعيد ميلاد بيت الرواية الذي أطلقناه في ماي 2018 وها نحن نجدد العهد مع الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية. واليوم نطلق جدلا جديدا وأسئلة أكثر دقة تحت عنوان قضايا البشرة السوداء في الرواية، فهل انتهى الرق؟ هل انتهت العبودية؟ ربما في صورتها الكلاسيكية، غير أنها تعود كل يوم في أشكال أخرى ومسميات كثيرة."

قبل انطلاق الجلسة الأولى قام بيت الرواية بتكريم عدد من الروائيين التونسيين والعرب: حسنين بن عمّو، عبد الواحد براهم، مسعودة أبو بكر، أمال المختار، إبراهيم الدرغوثي، محمود طرشونة، محمد القاضي، صلاح الدين بوجاه ومحمد علي اليوسفي، ليكون الموعد بعدها مع فقرة موسيقيّة لمجموعة "Los Latinos" جمعت بين الجاز واللاتينو حول موضوع "البشرة السوداء".

الجلسة الأولى:

انطلقت الجلسة الأولى التي ترأسها الناقد والإعلامي محمد بن رجب مع محاضرة افتتاحية للروائي والناقد شكري المبخوت المتحصل على جائزة البوكر عن روايته "الطلياني" لتكون أولى المداخلات مع الروائية الأردنية "سميحة خريس" وتحدثت عن رواياتها التي طرحت قضية البشرة السوداء.

تقول خريس:" في روايتي "بابنوس" و"فستق عبيد" اقتفيتُ تاريخَ الرقِ الأسمر ومعاناةِ الانسان الأفريقي على يد الأبيض، صاحبِ الحضارةِ المعاصرة، مالكِ الدنيا، الذي أباح لنفسه تملكَ البشر، تفحصتُ تلك المعادلة المريرة في رغبة الانسان بالحرية وتسببه بالعبودية، أردت من النصينِ المترابطين بوشيجةِ المكان وتتابعِ الزمان أن ينبشا في جرحٍ قديم جديد، قابلٍ للمثول بيننا في أية لحظة، متخداً هيئةً مختلفة واسماً مغايراً، متقنعاً أو كاشفاً عن نفسه بوقاحةِ الغالب المنتصر، ولكن تلك حكايةٌ تطول، خبرتُها وعشتُها منذ إدراكي الأول للونِ وأطيافهِ ودلالاته. تلك أفريقيا التي التقيتُ بها على الورق فذبحتني من الوريدِ إلى الوريد".

أما المداخلة الثانية فكانت مع الروائي والناقد السوري نبيل سليمان الذي عاد مع الحاضرين إلى القرن التاسع عشر:" في فجر الرواية العربية، منذ انتصف القرن التاسع عشر، مالت روايات جمّة إلى هذه اللحظة التاريخية أو تلك، مستبطنة أسئلة حاضر الكتابة. ولئن كان هذا النمط من الرواية الذي يتعكز فيه الفن الروائي على التاريخ، وبخاصة تعليق الخيال على الوثيقة، لم ينقطع، منذ انتصف القرن العشرون، وبدأت قيامة الرواية العربية تقوم، فقد اندفعت الرواية في مغامرة فنية أخرى، لم يعد يصح فيه ولا يكفي معه القول بالرواية التاريخية، لذلك دأبت على القول بالحفريات الروائية التي اتقدت على إيقاع زلزال هزيمة 1967. فبعد ثلاثية نجيب محفوظ ورواية صدقي اسماعيل (العصاة) قبل الزلزال، توالت روايات جمال الغيطاني وعبدالرحمن منيف ونهاد سيريس وخيري الذهبي وواسيني الأعرج وسميحة خريس وآخرين كثيرين."

وكان للروائي السوداني "حمّور زيادة" مداخلة ثالثة بعنوان عبيد في قيود السرد، التي دارت حول رواية "شوق الدرويش" مؤكّدا أن الرق ليس عملية مادية فقط، تربط الضحية إلى وتد خشبي بالسلاسل، الرق قيود نفسية شديدة الخبث تشد ضحيتها إلى الأرض.

أمّا ختام الجلسة الأولى فكان مع الروائي التونسي ابراهيم الدرغوثي في مداخلة بعنوان "أشكال حضور السودان في أعمالي الروائيّة"، وشرح دلالات حضور الشخصيات السوداء في بعض أعماله الروائية وعلاقاتها بالمجتمع الأبيض في مكان محدد هو واحات بلاد الجريد وارتباطاتها الحياتية بالسكان مع ما قدمته من إضافات حضارية وثقافية للمجتمع العربي الإسلامي من خلال التبادل والتلاقح الحضاري بين جنوب الصحراء الكبرى وشمالها. يقول الدرغوثي: " منذ بداياتي الأولى في كتابة الرواية حضر ذوي البشرة السوداء في هذه الكتابة بأشكال متعددة منها المقدس صاحب الكرامات وصاحب الجاه والمدنس والعادي المُحقّر والعبد العامل في المنازل وخارجها وسائس هودج سيدته في مواسم الأعراس والأفراح. من ذلك حضور الدرويش الأسود في روايتي " الدراويش يعودون إلى المنفى " الذي كان يشعل النيران في رجليه ويضعهما في الموقد ( وهي تذكر بأسطورة سيدي مرزوق العجمي مع الولي الصالح سيدي بوعلي سلطان نفطة والجريد) كما حضر في نفس الرواية سائس هودج نَمرة ، مسعود الشوشان الذي تغنى به سارد الرواية في استحضار لشعر شعبي قديم يقول: " وسوق وربّص ، آسعد شوشان سوق  وربّص.. سايس جَمَلْ للّاك حتى تلبس آسعد آشوشان."

الجلسة الثانية:

ترأست الجلسة الثانية الروائية التونسي خيريّة بوبطان وكانت المداخلة الأولى مع الروائية المصرية "سلوى بكر" التي عادت إلى روايتها "كوكو سودان كباشي" التي تمثل الوثائقيَّ الذي انبنت عليه، والمتعلق بالكتيبة، (الأورطة) المصرية السودانية التي شاركت في الحرب الأهلية في المكسيك وجوارها (1863-1867). حيث كانت فرنسا تعد المكسيك من ممتلكاتها عبر البحار. وقد طلبت العون من مصر على عهد الخديوي سعيد ومن بعده الخديوي عباس، فجرى تشكيل الأورطة في الغالب من العبيد الذين اصطيدوا في مناطقهم في السودان والنيل التحتاني، أو بيعوا في أسواق الخرطوم، ومنهم من تعنونت الرواية باسمه (كوكو سودان كباشي) نوبي الأصل الذي اصطيد وانتزع من موطنه في جبال النوبة."

وكانت المداخلة الثانية مع الروائي السوداني منصور الصويم بعنوان " مأزق الأسود.. ثيمة الرّق في الرواية السودانية. ويقول الصويم: " لم أجد مدخلاً مناسباً لمقاربة الرق والعبودية في الرواية السودانية، أفضل من تناول إشكالية لون البشرة في الثقافة السودانية عامة، والكيفية التي يتعامل بها السودانيون في المركز النيلي مع ألوان بشرتهم، وما يقود إليه ذلك من تصنيفات اجتماعية وثقافية وتحيزات عرقية – قبيلية، تصل إلى مربع العنصرية الصريح. والمفارقة المدهشة في هذه النقطة أن السوداني يأخذ مسماه التجنيسي هذا من صبغة اللون الأسود، التي يفترض أنها إشارة إلى لون بشرته، إلا أنه لا يعترف بتاتاً بهذا اللون ويتعامل معه بعماء وكأنه لون شخص مختلف آخر، وليس لونه هو بالتحديد."

أمّا ختام الجلسة الثانية فكان مع الروائي المالي محمود ابراهيم تراوري بعنوان "اختلاف اللون، الوعي بعالم أقل تفاهة، من سحيم للقوارب .. موتوا حرقا" ويقول: " في تجربتي الروائية، أزعم أني سعيت إلى فعل إزاحة الصورة النمطية لسود البشرة ، ولكن في ذهنية الأسود أولا وأخيرا . فالآخر يبدو مطمئنا للصور في ذهنيته وذاكرته التاريخية ، بينما الأسود عليه ألا يبقى مطمئنا، عليه أن يخلخل هذه الصورة ، لينطلق واثقا في رحابات الحياة ، دون أن يسمح لتلك الصور أن تكبله فيما تواطأ التاريخ والثقافة على إبقائه فيه، منبوذا ، مقصيّا، مقهورا. عجزنا كأمة عن تفكيك الخطابات التي تراكمت على مر التاريخ الطويل لمعاناة الإنسان الأسود في البقعة العربية. أسئلة تحاول أن تبحث فيما إذا كان الأسود وحده الذي يعاني أم الإنسان العربي بشكل مطلق هو الذي يعاني من أشياء كثيرة، متصلة بتاريخ القهر الاجتماعي، الذي تمثلته نماذج إبداعية عربية ذات بشرة سوداء تمتد لعصر ما قبل الإسلام ممثلة في الفارس الشاعر عنترة بن شداد ، مرورا بالشاعر سحيم ، وصولا للعصر الحديث الذي علا فيه صوت محمد الفيتوري  وهو يرفع ربما حالما أغاني أفريقيا."

واختتم اليوم الأول للدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربيّة التي تأتي تحت عنوان "قضايا البشرة السوداء في الرواية العربيّة" بنقاش مع الجمهور الحاضر حول المحاور التي تم طرحها من خلال مداخلات الروائيّين المشاركين. ويذكر أنّ الملتقى يتواصل على مدى يومي الجمعة 08 والسبت 09 مارس 2019 بمدينة الثقافة.

الاكثر قراءة