الٱن

15/12/2018

وكالة الاتصال الخارجي...أداة بن علي في منظومة الدعاية والتضليل الإعلامي

تناول الوثائقي الثاني الذي تم عرضه مساء أمس الجمعة، خلال جلسة الاستماع العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة حول "منظومة الدعاية والتضليل الإعلامي"، وكالة الاتصال الخارجي التي أحدثت في 7 أوت 1990، وكانت خاضعة مباشرة لرئيس الجمهورية بن علي الذي يضبط مهامها ويعين مديرها العام.  

ومن أهداف وكالة الاتصال الخارجي تعزيز الحضور الإعلامي لتونس في الخارج، والتعريف بالسياسة الإعلامية في جميع المجالات، قبل توسيعها لتشمل من ضمن مهامها توزيع الإشهار العمومي الذي استعمل أداة للتحكم في الأداء الإعلامي من خلال مكافأة الموالين ومعاقبة المستقلين.  

أموال طائلة لإخفاء الانتهاكات الممنهجة لحقوق الانسان

صرفت الوكالة أموالا طائلة لإخفاء واقع الانتهاكات الممنهجة لحقوق الانسان والاعتداء على المال العام وإظهار النظام في صورة المحافظ على الحقوق والحريات في الداخل والخارج، واستفادت من حملات الترويج لهذه الصورة شركات علاقات عامة أجنبية بمبلغ قدره 10 فاصل 154 مليون دينار بين سنتي 1998 و2001.

وبلغت التحويلات المالية لفائدة وسائل الإعلام المحلية والأجنبية الموالية 43 فاصل 645 مليون دينار سنتي 2009 و2010، وقدرت التحويلات الخاصة بالصحف والمجلات الخاصة بأحزاب المعارضة الصديقة التي تستجيب لدائرة الإعلام في التضليل الإعلامي داخل تونس وخارجها ب 142 ألف دينار خلال نفس الفترة، فيما خصص مبلغ 4 فاصل 167 مليون دينار لشراء ذمم إعلاميين موالين دون توقيع عقود.

وتظهر الوثائق تدخل بن علي بشكل مباشر بإعطاء التعليمات حول الزيادة أو الخصم من نسب الإشهار العمومي المقدمة لوسائل الإعلام المحلية، فمن بين 83 صحيفة ومجلة، تتمتع 23 صحيفة فقط بالإشهار خلال 2009 و2010 بقيمة 16 فاصل 48 مليون دينار، وتميزت هذه الفترة بنشاط الصحف الموالية التي رصدت لها موارد طائلة على حساب المناطق المهمشة والتنمية والصحة والتعليم والثقافة والبحث العلمي والبيئة.  

وعلى سبيل المثال، مكن نظام بن علي جرائد "الحدث" و"كل الناس" و"الصريح" و"أخبار الشباب" من سنة 2000 إلى 2010، من مبلغ 4 فاصل 893 مليون دينار من أجل نشر مقالات وصور كاريكاتورية تشتم المعارضين والناشطين والإعلاميين المستقلين باستعمال أساليب انحطاط أخلاقي.  

ومن أبرز وسائل الرقابة التي اعتمدها النظام، أمنيون ألبسهم جبة الصحافة ومكنهم من بطاقة الصحفي المحترف، وصحفيون حول وجهتهم عبر إغداق الأموال عليهم وامتيازات وكانوا مخبرين في كل المؤسسات الإعلامية، ووظفهم لتشويه أصحاب الأصوات الحرة وهتك أعراضهم.

وتحصل برهان بسيس على أكثر من 351 ألف دينار منذ انطلاق تعامله مع وكالة الاتصال الخارجي في 8 أكتوبر 2001، دون احتساب ما يتمتع به بمقتضى انتدابه الوهمي في شركة "صوتوتال"، بمرتب مدير وامتيازات عينية، وذلك بتعليمات خطها بن علي بناء على مذكرة رفعها إليه أسامة الرمضاني مدير الوكالة حول تعاون بسيس.  

 وحددت قيمة الإشهار العمومي لوسائل الإعلام السمعية والبصرية ب 10 فاصل 604 مليون دينار وامتيازات أخرى، استفادت منها إذاعات "موزاييك" و"جوهرة" وقناة "حنبعل" التي تم إعفاؤها سنة 2005 من خلاص الآداءات المتخلدة بذمتها لمدة 3 سنوات بقيمة 6 مليون دينار.  

كما تم إقرار إحالة بعض الإطارات من مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية على عدم المباشرة لظروف استثنائية لمدة سنة قابلة للتجديد، للعمل بقناة "حنبعل"، واقتطاع نسبة من الإشهار لفائدة قناة "نسمة" بأكثر من 328 ألف دينار، وأوصى بن علي بمساعدتها على الحصول على قرض قيمته 5 مليون دينار، كما أذن بدعوة البنوك للمساهمة بقروض طويلة المدى للمساهمة في تمويل مجمع "نسمة".  

 وتم تمكين قناة نسمة سنة 2007 من استغلال استوديو بمقر التلفزة الوطنية الجديد لمدة أربعة أشهر مقابل 400 ألف دينار عوضا عن 2 فاصل 8 مليون دينار بتوصية من رئيس الجمهورية.  

 ومنحت الوكالة لإذاعة الزيتونة لصاحبها صخر الماطري، 1 مليون دينار منذ سنة 2007، وإلى غاية 2010، بمعدل 250 ألف دينار كل سنة دون تقديمها خدمات إشهارية في المقابل.  

خسائر فادحة للتلفزة التونسية

   تسبب التعامل مع شركة "كاكتوس برود" التي يمتلك بلحسن الطرابلسي صهر بن علي 51 بالمائة من أسهمها، في الحاق خسائر فادحة بمؤسسة التلفزة التونسية عبر إمضاء عقود إنتاج مباشرة دون المرور بمناقصة، وتم في هذا الإطار إنتاج برامج "آخر قرار" خلال سنوات 2003 و2004 و2005، و"أحنا هكة" سنة 2008، بقيمة 18 فاصل 45 مليون دينار.  

كما تسببت صيغة المقايضة مع "كاكتوس" لإنتاج 140 حلقة من برنامج "دليلك ملك"، بمقابل 16 فاصل 5 دقيقة إشهار للحلقة الواحدة وتجاوزها هذا التوقيت بكثير، في فقدان التلفزة الوطنية ل80 بالمائة من المداخيل الإشهارية المرتقبة من البرنامج المذكور، فضلا عن استغلال تجهيزات التلفزة ومواردها البشرية.  

واستمرت آلة الدعاية لبن علي خلال الثورة وبعدها، حيث كان لقناة "حنبعل" دورا في اشعال فتيل التطاحن المدني من خلال بثها أيام 15 و16 و17 جانفي 2011، برامج حول ما يشهده البلد من احتجاجات وحراك، وذلك بالاعتماد على تقبل مكالمات هاتفية مفبركة لترويع المواطنين وترهيبهم، مثلما اعترف به باعث القناة العربي نصرة في محضر استنطاقه لدى الشرطة العدلية يوم 21 جانفي 2011.  

تم إتلاف جزء من أرشيف الجمهورية، كما أتلف جزء كبير من أرشيف وكالة الاتصال الخارجي في ظروف مشبوهة.  

إعلام ما بعد الثورة

ولم تخل السنوات التي تلت سنة 2011، من بعض مشاهد الغرابة في المشهد الإعلامي بعودة ظهور رموز النظام القديم لتصدر المنظومة الإعلامية تحت رعاية لوبيات مالية مشبوهة، ومن "الطرائف" قيام "شفيق جراية" باعتصام مفتوح صحبة 7 من مديري الصحف "المساء وعرابيا والثورة نيوز وحقائق أون لاين وأخبار الجمهورية"، في مقر الشركة التونسية للبنك لإجبارها على صرف قرض تمت المصادقة عليه زمن بن علي. كما أقر "شفيق جراية" خلال حصة تلفزية ب"وجود أتباع له من الإعلاميين".

وقوبلت كل محاولات تقييم الإعلام زمن الديكتاتورية أو إصدار قائمة للإعلاميين المتعاونين مع نظام بن علي بحملات تشويه واسعة، ولم تفلح المساعي لإصلاح الإعلام.

وبدورها تعرضت هيئة الحقيقة والكرامة إلى التشويه من "نفس الآلة"، وفق ما جاء في الوثائقي، الذي أشار إلى أن 10 قنوات تلفزية خاصة و19 إذاعة في تونس لم تصرح بعد برأس مالها والمعلومات الضرورية حولها، أمام محدودية فاعلية الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في المجال.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة