24/11/2022

صفاقس-انتخابات: تدهور الوضع البيئي والبنية الأساسية وهشاشة القطاع السياحي

رغم نقاط القوة الكامنة في ولاية صفاقس، بموقعها الجغرافي الإستراتيجي وشريطها الساحلي الممتد على طول 235 كلم، وثقافتها المحلية العريقة وإمكانياتها السياحية، وامتلاكها قطاعا صحيّا خاصّا قادرا على دفع السياحة الاستشفائية، فضلا عن كونها قطبا اقتصاديا وجامعيا وتكنولوجيا متميزا، تبقى الجهة محاطة بعديد الاشكاليات المعيقة للتنمية في مختلف دوائرها الانتخابية.

وانطلاقا من تطلعات ومشاغل أبناء الجهة واستنادا الى التقرير الجهوي التأليفي للمخطط الثلاثي المقترح للتنمية 2023-2025 الذي أعدته فرق العمل الجهوية الاربع خلال الفترة الممتدة بين 21 فيفري و28 افريل 2022، تتلخص أهم الاشكاليات المعيقة للتنمية في ولاية صفاقس في تدهور الوضع البيئي الذي تعيش على وقعه صفاقس الكبرى منذ ما يزيد عن سنة، وتردي البنية الاساسية للنقل، فضلا عن هشاشة القطاع السياحي وعدم تنوع منتوجاته رغم مما تتميز به الجهة من إمكانيات لتطوير السياحة الاستشفائية والايكولوجية والثقافية وسياحة المؤتمرات والأعمال.

ويتمثل الوضع البيئي الكارثي الذي تعيش على وقعه صفاقس الكبرى منذ 27 سبتمبر 2021، في تراكم أطنان الفضلات في كامل أرجاء المناطق البلدية التابعة لولاية صفاقس وعددها 9 بلديات، نتيجة غلق المصب المراقب "القنة" بعقارب، وهو إشكال ما فتئ يتفاقم يوما بعد يوم وعمّقه الحريق الهائل الذي اندلع مؤخرا في المصب العشوائي بطريق الميناء بصفاقس المغلق منذ 31 اكتوبر الماضي.

وزاد في تأزم الوضع رفض المواطنين لعديد المواقع المقترحة من اللجنة الاستشارية للتصرّف في أزمة النفايات بصفاقس كمصبات وقتية على المدى القريب وأخرى للتثمين على المدى المتوسط، تحت شعار "منطقتي موش مصب"، وآخرها موقع بمنطقة "الزوايد" التابعة لمعتمدية منزل شاكر وقبله عديد المواقع على غرار "ليماية" و"ضيعة زروق" و"القنة" و"سيدي سالم" وغيرها، وهو ما حوّل المدينة إلى مصب ضخم تنبعث منه روائح كريهة وترتع فيه الديدان والحشرات، ودفع بالمواطنين الى حرق الفضلات التي بات تراكمها امام المنازل والإدارات والمؤسسات التربوية العمومية مشهدا يوميا، وأدّى إلى نفاذ صبرهم وعمّق احتقانهم وغضبهم.

وإزاء تواصل تأزّم الوضع البيئي في صفاقس منذ أكثر من سنة، لوّح عديد المواطنين نشطاء المجتمع المدني، في تصريحات أفادوا بها "وات"، بمقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة، فلا داعي، وفق تصوّرهم، "لمشاركة أهالي صفاقس في الحياة السياسية العامّة في ظلّ صمت الدولة إزاء وضعية الجهة المتأزمة، وتنكّرها لحقهم كمواطنين ينتمون الى الجمهورية التونسية ولأبسط حقوقهم الحياتية المتمثّل في بيئة خالية من النفايات"، وفق تعبيرهم.

ومن مظاهر تردي الوضع البيئي بولاية صفاقس، افتقار مختلف الدوائر الانتخابية التابعة لها، الى مقومات جودة الحياة على غرار اختلال منظومة التزوّد بالماء الصالح للشراب سيما في فصل الصيف وأوقات الذروة، واضطراب الربط بشبكات التطهير والغاز الطبيعي، ومحدودية شبكة تصريف مياه الأمطار وما ينجرّ عنها من تعطّل لحركة المرور عند هطول كميات هامّة من الأمطار ودخول هذه المياه الى عديد المنازل بالاحياء الشعبية على غرار "الحي التعويضي" بساقية الدائر، وغياب دور الثقافة والشباب وفضاءات الترفيه والمنتزهات، فضلا عن عدم الشروع بعد في إستغلال مشروع منطقة تبرورة الممتدة على 420 هكتار والشريط الساحلي الجنوبي الممتد على 5600 هكتار.

وتتضح مظاهر تردي البنية الاساسية جليّة في مجال النقل بولاية صفاقس في محدودية الميناء التجاري بصفاقس وميناء الصخيرة وعدم تطويرهما للقيام بدورهما الريادي في دفع التنمية، إلى جانب محدودية الدور التنموي لمطار صفاقس-طينة الدولي، وتراجع خدمات النقل العمومي الجماعي الناجم عن تهرئ وتقادم اسطول الحافلات التابعة للشركة الجهوية للنقل، فضلا عن اضطراب رحلات النقل البحري من وإلى جزيرة قرقنة، واختناق حركة المرور داخل مدينة صفاقس، وتدهور شبكة الطرقات داخل المناطق البلدية بصفاقس وشبكة الطرقات التي تربطها بالمدن الداخلية للولاية وبالولايات المجاورة.

وتعتبر هشاشة القطاع السياحي وعدم تنوّع منتوجاته من أبرز الاشكاليات الاخرى المعيقة للتنمية بولاية صفاقس، رغم ما تتميز الجهة من مكامن سياحية هامة على غرار المدينة التاريخية، والمواقع الاثرية، وفضاء الملاحات، والقطب التكنولوجي المتميز، والتجهيزات الصحية العصرية بالقطاع الخاص التي من شأنها المساهمة في تطوير السياحة الاستشفائية والايكولوجية وسياحة المؤتمرات والأعمال.

ويُرجع مختصّون سبب ضعف القطاع السياحي إلى إختلال التوازن بين المدينة والمعتمديات الداخلية، والصعوبات المحفوفة بمنظومة النقل المشار اليها سابقا والتي من شانها عرقلة السياحة الاستشفائية، فضلا تفكك بعض المنظومات الاقتصادية في قطاعات اخرى ذات علاقة بالسياحة مثل الفلاحة والصناعات المعملية والبيئة.

واعتبر الناطق الرسمي باسم الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بصفاقس، سليم المراكشي، في تصريح لـ"وات"، أن غياب بنية تحتية ملائمة في جهة صفاقس خاصة في مجال النقل البحري والجوّي على غرار مطار صفاقس-طينة الدولي والميناء التجاري بصفاقس، وغياب مناطق صناعية مهيئة، وتراجع جودة الحياة المتمثلة أساسا في بيئة سليمة في ظلّ وضع بيئي كارثي تعيش على وقعه الجهة منذ اكثر من سنة، فضلا عن غياب الحياة الثقافية والمنتزهات وأماكن الترفيه، كلها عوائق من شأنها التقليص من حظوظ الجهة في جلب المستثمرين الاجانب والمحليين.

ومن أجل دفع عجلة التنمية في جهة صفاقس بمختلف دوائرها الانتخابية وخلق فرص استثمار، يقترح المراكشي، على ممثلي الجهة بالمجلس النيابي المرتقب وعددهم 13 عضوا، وضع برنامج لاعادة تموقع صفاقس كقاطرة اقتصادية دافعة للتنمية جهويا ووطنيا، والعمل على تفعيل مشاريعها الكبرى وفي مقدمتها مشروع تبرورة، وتهيئة واستغلال الساحل الجنوبي لمدينة صفاقس، وتهيئة المناطق الصناعية الموجودة بالجهة والبالغ عددها 12 منطقة صناعية، وتمكين مطار صفاقس -طينة الدولي والميناء التجاري بصفاقس من ميزانية تسمح بتوسعتهما وتطوير نشاطهما، ودعم سياسة اللامركزية على المستوى الاداري.

وبخصوص الأزمة البيئيّة التي تعيش على وقعها صفاقس الكبرى منذ ما يزيد عن سنة، قدّم عضو مجلس النواب السابق وعضو اللجنة الاستشارية لمعالجة أزمة النفايات في جهة صفاقس، شفيق العيادي، حلّين أساسيين لإنهاء هذه الأزمة، يتمثل الأوّل في تخصيص أراض وإخراجها من صبغتها الإدارية لتصبح تابعة للمجلس الجهوي او لرئاسة الجمهورية، والثاني في التعجيل باقتناء محارق متنقلة، وهي ايكولوجيّة غير باهظة الثمن.

واعتبر أن الحريق الذي اندلع مؤخرا في المصب العشوائي بطريق الميناء بصفاقس، القابل بطبيعته للاشتعال بسبب تخمّر النفايات والإفرازات الغازية المنبعثة منه، "يعدّ عملا إجراميا تقف وراءه أطراف تدفع نحو المغامرة، ويراد من خلاله تعطيل وإعاقة الحملة المكثّفة لرفع أكوام الفضلات المتراكمة التي شرعت فيها بلدية صفاقس بمساعدة إحدى المقاولات الخاصة منذ أيام للتقليص من حدة الأزمة ومعاناة المواطنين، في ظل غياب حلّ لهذه المعضلة إلى حد الآن، بسبب رفض المواطنين للمصبات المقترحة من اللجنة الاستشارية للتصرف في أزمة النفايات بصفاقس".

ومن أجل دفع التنمية بولاية صفاقس واستعادة مكانتها كقطب تنموي ريادي في محيطها الاقليمي والوطني، دعا العيادي، ممثلي جهة صفاقس في المجلس النيابي المرتقب الى العمل على ادراج الجهة ضمن الاستراتيجية الوطنية لتنمية المطارات والمواني الجوية والبحرية، وتحويل ما لا يقل عن 15 بالمائة من الرحلات الجوية الدولية المنتظمة نحو مطار صفاقس، والإسراع بإنجاز ميناء الصخيرة حتى يصبح قطبا مينائيا يشعّ على الجهة ومنطقة البحر الابيض المتوسط قبل حلول سنة 2024، فضلا عن توسعة ميناء صفاقس التجاري من الناحية الجنوبية، والتسريع بانجاز المنطقة اللوجستية بقرقور، وتوفير المناطق الصناعية الكبرى والمندمجة، والعمل على تفعيل التنمية المحلية لجهة صفاقس عبر إعادة التوازن الجهوي بين مركز الولاية والمعتمديات وفك العزلة عنها، وتصنيف معتمديات صفاقس الداخلية ذات المؤشرات التنموية المتدنية، وتعصير شبكات الخدمات فيها وإعطائها الاولوية.

كما دعا ذات المتحدث، ممثلي جهة صفاقس في مجلس النواب القادم، الى الدفع نحو الانطلاق الفعلي في انجاز شبكة المترو الخفيف، وبعث سلطة جهوية فعلية تعنى بالتنظيم والدراسة والإشراف على تنظيم النقل البري، والتسريع بفضّ الاشكاليات المتعلقة بتباطئ شركة السكك الحديدية لانجاز محطة النقل متعددة الوسائط.

من ناحيته، أكد المندوب الجهوي للسياحة، فتحي زيدة، على ضرورة دفع المشاريع السياحية المعطّلة في الجهة منذ سنوات على غرار مشروع القرية السياحية بمنطقة الشفّار التابعة لمعتمدية المحرس المعطلّ منذ 30 سنة بسبب إشكال بين الوكالة العقارية للسياحة والمستثمر، والمنطقة السياحية "سيدي فنخل" بجزيرة قرقنة المعطل بدوره منذ حولي 40 سنة، وذلك من خلال تبسيط الاجراءات القانونية والإدارية.

وشدّد على أهمية استفادة السياحة من البرامج التنموية في القطاعات الاخرى مثل الفلاحة والنقل الجوي والبحري والبيئة، وتعميم المنح، وعلى أهمية دعم التكوين المهني في المجال السياحي والشراكة بين القطاع العام والخاص.

يذكر أن الخارطة الانتخابية بجهة صفاقس تشرف عليها هيئتان فرعيتان بصفاقس 1 وصفاقس 2.

ووفق التوزيع الانتخابي الجديد الوارد بالمرسوم عدد 55 من مجلة الانتخابات المؤرخ في 15 سبتمبر 2022، تشتمل الهيئة الفرعية للانتخابات صفاقس1 على 7 دوائر انتخابية وهي: دائرة ساقية الدائر ودائرة ساقية الزيت ودائرة قرقنة ودائرة الحنشة ودائرة بئر علي بن خليفة ودائرة منزل شاكر، ودائرة جبنيانة والعامرة.

اما الهيئة الفرعية للانتخابات صفاقس2، فهي تشمل وفق ذات المرسوم على 6 دوائر انتخابية وهي: دائرة صفاقس المدينة ودائرة صفاقس الغربية ودائرة صفاقس الجنوبية ودائرة طينة ودائرةعقارب ودائرة المحرس والغريبة والصخيرة.

كما يشار الى ان عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب عن ولاية صفاقس قد تراجع من 16 مقعدا في انتخابات 2019 إلى 13 مقعدا في انتخابات 17 ديسمبر المقبل.

 

 

 

الاكثر قراءة