27/03/2019

الفاضل الجعايبي: بعد العنف والخوف سأتحدث عن الحلم القابل للإدراك...الحلم بمسرح أفضل وبديمقراطية حقيقية

بمناسبة اليوم العالمي للمسرح وتزامنا مع تظاهرة أسبوع اليوم العالمي للمسرح التقت وكالة تونس إفريقيا للأنباء مدير عام المسرح الوطني الفاضل الجعايبي الذي يشرف على إدارة هذه المؤسسة منذ نحو خمس سنوات، وقد تحدث بالمناسبة عن التحديات المطروحة على المسرح الوطني والصعوبات والنقائص التي تواجه المسرح التونسي اليوم، من بينها وجود "تفاوت معرفي ومرجعي بين الفنان والناقد الإعلامي للمسرح". وأشار إلى أن المسرح التونسي بحاجة للانفتاح على مختلف التجارب العالمية والاستفادة منها.

كما قدم رجل المسرح الفنان والمخرج الفاضل الجعايبي رؤيته للصفات التي يجب أن تتوفر في الممثل وفي المخرج المسرحي. وانتقد من يطلقون على أنفسهم صفة النخبة، واعتبر أن عزوف الجمهور عن المسرح اليوم هو مسؤولية مشتركة لا يتحملها المسرحي وحده.

وكشف الجعايبي عن عمله المسرحي الأخير الذي يشتغل عليه حاليا قائلا إنه بعد مسرحيتي "العنف" و"الخوف" قرر أن يتحدث عن "الحلم القابل للإدراك" .

وفي ما يلي نص الحوار الذي أدلى به إلى وكالة تونس افريقيا للأنباء :

   س // تمر قرابة 5 سنوات على توليك تسيير دواليب مؤسسة المسرح الوطني التونسي، فإلى أي مدى تحققت الأهداف التي رسمتها للمؤسسة ؟

   ج // لما قدمت إلى المسرح الوطني التونسي سنة 2014 كان لدي هاجس وتصور عام أن أجد ذاتي وصورتي في هذه المؤسسة أي توفر شروط الفرجة في القاعة وتحقيق رفاهية الجمهور وإرضاؤه بتوفير أعمال مسرحية له ترتقي بذوقه الفني وبوعيه.

   فالمسرح الوطني مؤسسة عمومية أحدثت سنة 1983 ومن المؤمل أنها وصلت إلى مستوى المسارح العالمية من حيث جودة العروض وقيمتها الفنية، وكذلك من حيث تهيئة قاعة العرض لتصبح بمواصفات عالمية.

   س // فما الذي وجدته إذن ؟

   ج // للأسف هذا لم يحصل ومثّل أحد المشاغل والتحديات بالنسبة لي، وهو أن أجعل من المسرح الوطني وفضاءاته تشبه إلى حد ما المسارح العالمية وذلك بالاستعانة بتجاربي في المسارح الأوروبية التي قدمت فيها بعض أعمالي.

   لقد وجدت مشاكل جمة في المؤسسة منها الفساد والسرقة والتقاعس في العمل والتمارض والحصول على أجور دون تقديم خدمات، لكن لا أنكر أيضا أنني وجدت موظفين شرفاء متفانين في أعمالهم.

   وكان لا بد من انتداب متعاقدين بين مختصين في الإنتاج وفي التوزيع والاتصال، بالإضافة إلى خبراء في المسرح والكوريغرافيا. وقمنا أيضا بإصلاحات إدارية ومالية والتاريخ سيشهد لنا بهذه الإصلاحات الجوهرية منها خلاص الديون المتخلدة بذمة المؤسسة.

   لكن أعترف أننا في المرحلة الوسطى من الأهداف، رغم أننا قطعنا أشواطا كبرى في الإصلاحات.

   س // من ضمن البرامج الجديدة في المسرح الوطني، إحداث مدرسة الممثل. فهل يعني ذلك أن التكوين في فن الممثل محدود في المعاهد المختصة ؟

   ج // الممثل هو أساس اللعبة المسرحية وهو صانع للحدث ولا يمكن الاستغناء عنه، لذلك أحدثنا مدرسة الممثل وقد تحصلنا مؤخرا على تأشيرة المدرسة العليا التطبيقية للحرف المسرحية "قسم الممثل". ونأمل توسيعها لتشمل مستقبلا أقساما أخرى كالكتابة المسرحية والإخراج.

   ولا يفوتني أيضا أن أشير إلى أن مدرسة الممثل تخرج منها عشرات الممثلين ضمنهم عدد من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بتونس.

   فالممثل بما هو العنصر الرئيسي على الركح، يمرون عليه مرور الكرام في المنظومة الأكاديميةّ شأنه شأن فن الإخراج.

   س // في ما يتعلق بالإخراج، فسحت المجال أمام عدد من المخرجين الذين قدموا مشاريع لإنتاجها بدعم من المسرح الوطني، فكيف تقيم هذه الأعمال فنيا ؟

   ج // أنتج المسرح الوطني منذ سنة 2014 حوالي 18 عملا مسرحيا، ويمكن اعتبار 6 أعمال منها ذات مستوى فني عال.

   س // لماذا كانت بقية الأعمال في تقديرك متواضعة ومن يتحمل مسؤولية ذلك ؟

   ج // المسرح الوطني يتحمل جزءا من المسؤولية، لكن يظل المشكل الرئيسي في المسرح التونسي هو التكوين في التمثيل وفي الإخراج.

   ففي المسرح التونسي، لا وجود لمدارس إخراج. والمخرج المسرحي لا يكفي أن تكون له هواجس وأفكار ونصوص، فالمنظومة المسرحية شأنها شأن المنظومة التربوية تفتقد للثقافة العامة.

   لكي تكون مخرجا أو ممثلا يجب أن تكون موهوبا. فالمسرح نتعلمه أيضا في المتاحف وقاعات السينما والكتب وكذلك في الشارع، لننهل منها ونبتكر ونبدع لنتجنب السقوط في التقليد وفي ما هو جاهز ومستهلك.

   س // رغم الطفرة التي شهدتها الأعمال المسرحية فإن الإقبال على مشاهدتها يظل مناسباتيا ودون المأمول، فهل تفسر عزوف الجمهور عن المسرح بضعف الأعمال المسرحية فنيا ؟

   ج // أرى أنه من شروط إرضاء الجمهور هو الفرجة والارتقاء بذوقه الفني وبوعيه. الأعمال الراقية مطلوبة جدا في المسارح العالمية، حتى وإن كان الجمهور من صنف النخبة.

   فالنخبة اليوم لم تصل إلى الاكتفاء الذاتي من الوعي والثقافة. بل إن نخبة أصحاب الشهائد الجامعية ليست نخبة، ما دام بعضها لا يفرق بين المسرح البلدي والمسرح الوطني.

   والمثقف اليوم له عديد النقائص وهو يمرر هذه النقائص أو الجوانب السلبية التي لديه للآخر إما في المدرسة أو الجامعة أو العائلة أو حتى في منابر الإعلام. لذلك فإن عزوف الجمهور عن المسرح اليوم هو مسؤولية مشتركة لا يتحملها المسرحي وحده.

   س // لو نظرنا إلى الفن السابع، بما تفسر عودة الجمهور إلى قاعات السينما بأعداد كبيرة، مثلما لاحظا الإقبال الكبير على بعض الأعمال مثل "بورتو فارينا" لإبراهيم اللطيف و"دشرة" لعبد الحميد بوشناق ؟

   ج // أولا أريد أن أوضح لك شيئا وهو أن فيلم إبراهيم اللطيف متواضع جدا في تقديري ونجاحه اقترن بالوجوه التلفزية في الفيلم.

   وعموما لا أنكر وجود نهضة سينمائية حقيقية في تونس اليوم، لأن اللعبة السينمائية أصبحت في متناول الجميع. لكن في المقابل فإن المسرح في العالم يعرف تراجعا أمام السينما وحتى بقية الفنون لأنه معقد ويختلف فيه مستوى التلقي عن السينما.

   س // يتحدث المسرحيون عن شبه غياب للنقد المسرحي، ما مردّ ذلك؟

   ج // هناك تفاوت معرفي ومرجعي بين الفنان والناقد الإعلامي للمسرح، فهو لا يمتلك تقنيات النقد وأساليبها، إذا استثنينا البعض وهم أقلية.

   والمشكل اليوم يتمثل في أن الناقد أصبح معولما إن صح التعبير، فهو لا يقرأ ولا آليات له لتفكيك العمل المسرحي. وانهيار النقد المسرحي مقترن بانهيار المنظومة التعليمية والجامعية، فالمسرح يتطور وكذلك بقية الفنون، لكن الناقد لا يتطور ولا يواكب المعارف الجديدة.

   س // بلغ أسبوع اليوم العالمي للمسرح دورته الخامسة هذه السنة، فأي إضافة يمكن أن يحققها للمشهد المسرحي التونسي ؟

   ج // أسبوع اليوم العالمي للمسرح مشروع آمنت به كثيرا. فالمسرح التونسي بحاجة للانفتاح على مختلف التجارب العالمية والاستفادة منها. وقد عملنا خلال الدورة الحالية على استقدام 11 عملا منها 4 أعمال سورية إلى جانب أعمال من إيطاليا وكندا وبلجيكا. ودعمنا التواصل بين المؤسسة والجهات منها إنتاج عمل بعنوان "سوق سوداء" لعلي اليحياوي (مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين) سيتم تقديم عرضه الأول خلال التظاهرة، بالإضافة إلى توأمة هذا الأسبوع مع مهرجان عز الدين قنون للمسرح.

   س // لكن ذلك لم يخف انتقاد هذه التظاهرة منذ تأسيسها من قبل عدد من أهل الفن الرابع، فكيف ترون ذلك ؟

   ج // أود أن أسأل الذين ينتقدون أسبوع اليوم العالمي للمسرح ويرفضون المسرح الغربي، من أين يستمدون آليات ووسائل الفعل المسرحي؟ أليس من الغرب؟ أنا أيضا أستمد هذه الآليات من المسرح الأوروبي، لكن محور المسرحية هو الإنسان التونسي. وأعتقد أن الخلفية الفكرية الثقافية العالمية مهمة للمسرح التونسي. وأسبوع اليوم العالمي للمسرح فرصة ثمينة للمسرحيين التونسيين خاصة غير القادرين منهم على السفر لمواكبة العروض العالمية.

   س // تشرع قريبا في الإعداد لعمل جديد من إخراجك، لو تعطينا فكرة عنه

   ج // بعد العنف والخوف، سأتحدث عن الحلم القابل للإدراك، الحلم المشترك لكل التونسيين وهي الديمقراطية الحقيقية والمساواة والعدالة والتنمية.

كلمات مفاتيح

الاكثر قراءة